من أخطر صور الانحراف عن منهاج الوسطية، والبعد عن طريق رسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، ومن تبعهم بإحسان، القول بتكفير أصحاب الكبائر وخروجهم من الإسلام، تلك الفتنة القديمة الجديدة: قديمة؛ إذ قالت بها فئة ضالة خرجت على جماعة المسلمين في عهد الخلفاء الراشدين، فسماها المسلمون (الخوارج)، وترتب على ضلالها في التكفير، والقول على الله وعلى رسوله بغير علم، فتن وخلافات بين المسلمين، سُفكت فيها الدماء، وانتهكت فيها الحرمات، وقاسى المسلمون من آثارها المدمرة منذ بدأت إلى الآن، آلامًا عظيمة، ومحنًا كبيرة وجديدة؛ لأن بعض الجماعات الإسلامية في الوقت الحاضر تقول بتكفير الحكام المسلمين والمجتمعات الإسلامية، وتدعو للخروج عليهم. وهذه الجماعات بهذا المسلك تلتقي مع الخوارج في تكفير أصحاب الكبائر، والدعوة إلى الخروج على ولاة الأمر، وإثارة الفتن في صفوف المسلمين».
فجماعات التكفير التي تطلق الكفر على الحكام، أو على المجتمعات، دونما تفصيل ومعرفة للأحوال والواقع، تتابع ما قالته وفعلته الخوارج منذ القدم، في مرتكبي الكبائر وتكفيرهم بذلك. فمما جاء في السنة من النهي عن تكفير المعين:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: ) أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ (.
2- وقوله صلى الله عليه وسلم: ) مَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ (.
3- وقوله صلى الله عليه وسلم: ) مَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ: عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ (. أي: رجع عليه قوله.
4- وقوله صلى الله عليه وسلم: ) لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ، وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ (.
5- أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) لا يجتمع رجلان في الجنة أحدهما قال لأخيه يا كافر (.
والكفر المقصود في الأحاديث إنما هو كفر دون كفر ما لم يستحلَّه. وقال ابن عبد البر: والمعنى فيه - عند أهل الفقه والأثر أهل السنة والجماعة - النهي عن أن يكفر المسلم أخاه المسلم بذنب أو بتأويل لا يخرجه من الإسلام عند الجميع.
وهذا أصل من أصول العقيدة كما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ) ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ: الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا نُكَفِّرُهُ بِذَنْبٍ وَلَا نُخْرِجُهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، وَالْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي الدَّجَّالَ لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ، وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ (.
وهذا ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، فعن الأعمش عن أبي سفيان، قال سألت جابرًا رضي الله عنه، وهو مجاور بمكة، وكان نازلاً في بني فهر، فسأله رجل: هل كنتم تدعون أحدًا من أهل القبلة مشركًا؟ فقال: معاذ الله. وفزع لذلك، قلت: هل كنتم تدعون أحدًا منهم كافرًا؟ قال: لا.
وهكذا أهل السنة والجماعة، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: «أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الكذب والزنا حرام لحق الله، وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأيضا فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر». وإنما بدأت هذه البدعة على يد الخوارج، وقد قال المزني - رحمه الله -: «الخوارج، خرجوا على الأئمة بالسيف لإنكار المنكر، فوقعوا في أنكر المنكر من تكفير الأئمة، وإنكارهم السلطان، وتكفيرهم الأمة بالصغائر، وهذا من أبدع البدع، وهؤلاء كلاب أهل النار».
o'v hgj;tdv ,hgYtsh] ,hgjt[dv o'v ,hgjt[dv