يشق الفجر دياجير الظلام على استحياء وكأن هذا الفجر خجل يتوارى خلف القمم البعيدة .. ويتهجد العابد الناسك في محراب المساجد يدعوا إلهاً واحد .. والسكون بين الانعتاق والانطلاق تنذر بقائه زقزقات عصافير تسعى للبحث عن حبة قمح من سنابل البستان البعيد ... لوحة على كف الاكتمال يحاول الكون أن يكملها بيد القادر الأحد .
هكذا تشق الصباحات لنفسها طريق جميل .. تكتب على روزنامة اليوم ميلاد جديد .. وتحملنا إلى حيث الأمنيات تغلي في صدورنا .. حيث الكلمات تلد من رحم الذات تلك الذات التي ربما هجعت قليلاً بعدما غالبها النعاس وربما باتت يؤرقها الألم والحرمان
صباحات تختلف عن باقي الصباحات وشمس خجولة كسلى تطل من الأفق البعيد وبحر يموج بالرزق على ناصية انكسار الموج وتحت أقدام المارة فيه والمسافرون عبره والراكبون مراكب العبور والعابرون نحو الشاطئ الآخر بحثاُ عن مرسى آمن أو رزق وفير
هدوء يغطيه المكان والشراشف البيضاء تعانق دف الأجساد النائمة فوق هودج من حرير أو حتى تلك النائمة على بساط من حصير .. يتشابه الأثنان في الحلم ويشتركان في الحياة والسعي ويختلفان في النصيب وما يجني الواحد تلو الآخر .. هي هكذا تفاصيل حكاية الزمن .. تضاد تام كالحياة والموت .. كالفرح والجرح .. كالشموع والدموع ... كالفقر والغنى .. كل ذلك مسجي في لوح مكتوب هو الآخر في هدوء تام
الصباحات الرائعة وبقايا قطرات ندف الندى النائمة على الأوراق الخجلى والطفلة الأخيرة التي تحبو على إخوانها المتكدسة أجسادهم في الغرفة الواحدة وهمس الأم الرائعة الهامسة في تلك الأذون لأبنائها أن الفجر قد رفع أذانه وأن صلاة الفجر أصبحت واجبة
ما أروعك من سكون بعيد الضجيج القادم وما أنبلها من مشاعر لا تختلط بها أوجاع الحياة بعد .. ولا همومها وما أرقها من همسات يكتبها هذا الوجود على أرواحنا وما أنقاها تلك الأرواح التي تستفتح يومها بذكر الله لتوكل أمرها إلى الله عبر رحلة يوم قد تكتمل وقد لا تعود قافلة المسافرين إلى قواعدها فقد يقضي الله أمراً كان مفعولا
هي كلماتي ربما استفاقت هذا الصباح لتكتب ذاتها دون مسودة مسبقة ولا مراجعة تؤكد صحة الحرف ولا متابعة من العين لتعيد ما لا يمكن أن يدون ولا قلم به ممحاة يمكنه أن يمسح ما هو ضروري أن يمسح .. كل شيء كالصباح أتى بسجيتة فإن خالط هذا النص الشوائب فتلك تراكمات ليل البارحة وإن كان نقياً فهو نقاء أرواحكم هنا أيها القراء وجمالية نظرتكم التي أحالت نص كسول دافء وملوث ربما من تحت الأغطية البيضاء إلى روح وكيان يعيش بينكم وتحت أعينكم لأنه أراد أن يكون تحت رعايتكم كل النهارات الجميلة تدعوكم لها فلا تشنقوا تلك النهارات على مقصلة النوم