أثناء حضوري لعرض دلافين مع عائلتي، لاحظت في البداية أول دخول المدرِّبين، أن كل واحد منهم يحمل صندوقين في يده، فلم ألقِ لذلك بالاً، ولم أفكِّر في السبب.
وأثناء العرض قال لي زوجي: هل لاحظتِ؟
قلت له: ماذا لاحظت؟
قال: بمجرَّد أن تقوم الفقمة بحركة جميلة، فإن المدرب يعطيها سمكة على وجه السرعة، وتبدو السعادة على حركات الفقمة، التي مباشرة تؤدِّي الحركة التالية.
قلت له: الآن فهمت سر هذين الصندوقين، إنهما صندوقا الأسماك أو دعونا نسميهما "صندوقا الجائزة".
هنا فورًا خطر في بالي الحديث الشريف: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقه))، وفي رواية: ((حقه)) بدل ((أجره))؛ رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
صحيح أن ظاهر الحديث هو دعوة للإسراع بتبرئة الذمة وأداء الحقوق؛ لكن هذا الإسراع يترتَّب عليه حثُّ الأجير على العمل، وبهمَّة دون استبطاء؛ لأن متعة الأجر وفائدته المعنوية أيضًا تتضاءل كلما ماطلنا فيه.
الأمر نفسه تمامًا هو ما يمكن أن نطبِّقه مع أولادنا؛ الثناء على فعلهم الحسن بشكل فوريِّ، أو حتى مكافأتهم عليه إن كان يستحق؛ فإن ذلك سيخلق رابطًا شرطيًّا بين الفعل الجيِّد ومتعة المكافأة والثناء، ويحفزهم على حسن التصرف دومًا، وهناك أمر مهم أيضًا يجب أن تتصف به المكافأة، ألا وهو أن تكون مما يحبُّه الطفل؛ لأن الكثير من الأهل المربِّين يختارون الهدية بأنفسهم، وبما يناسبهم، دون أن يهتموا بما يحبه طفلهم.
أعلم أن هناك دعوات تقول: إننا يجب أن نعلِّم أولادنا أن يكون دافعهم ذاتيًّا وشخصيًّا، هذه الدعوة صحيحة؛ لكن إن طبقت بشكل صحيح من حيث التدرجُ بإلغاء الجائزة، بحيث نقدِّم لهم في البداية جائزة كبيرة ثم تصبح جائزة عادية، وبعد ذلك لا نعطيهم جائزة في كل مرة، إلى أن يصلوا إلى مرحلة التحفيز الذاتي؛ لأن الطفل في مراحله الأولى يكون ذا تصور ماديٍّ ومحسوس فقط للأمور.
وأيضًا فائدة ذلك أنها تشجِّع الطفل على الفعل الحسن والالتزام، ريثما يصبح هذا الفعل سجيَّة عنده وعادة ونظامًا، وعندها لا يعود هناك داعٍ لهذه الجائزة لأنها أدَّت دورها؛ ربما وضعها يشبه وضع بعض المؤلَّفة قلوبهم، الذين أعطاهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم من الزكاة في بداية إسلامهم كي يستميل قلوبهم، إلى أن تفكَّروا فيه وأدركوا أنه الدين القويم، ورسخ في قلوبهم، وكذلك الحال مع أولادنا، نستميل قلوبهم ببعض الهدايا والثناء والمديح إلى أن يثبت الفعل في قلوبهم وعاداتهم.