ما إن تقرر الالتزام بنظام غذائي صحي، حتى يبدو لك أن العالم كله قد تحالف ضدّك! تطالع عيناك لوحات الإعلانات التي تمرّ عليها يوميا من دون أن تتوقف عندها، فيبدو كأنك تراها للمرة الأولى. هذه الوجبة الكبيرة القيّمة بسعر مخفّض، وهذا العرض الذي لا يقاوم لشطائر برع المصوّر في إبراز تفاصيلها الشهية.. مشروب يعد بالمتعة وآخر يجلب المرح. لم تعد المنتجات تُصنع لتلبية احتياجات المستهلك كما قيل قديما «الحاجة أم الاختراع»،
بل على العكس أصبحت الاحتياجات تُخلق لدى المستهلك لترويج المنتجات. تعتمد الإعلانات في معظمها على ما يعرف علميا باسم «الارتباط الشرطي» أو بنظرية بافلوف. بعد عدة تجارب، توصل العالم الروسي إيفان بافلوف في أوائل القرن الماضي إلى إمكانية إحداث رابط بين فعلين لا توجد علاقة بينهما في الأساس عن طريق تكرار التزامن بين شيئين
مختلفين، فيصبح رد الفعل لأحدهما تلقائيا هو رد الفعل نفسه للآخر. تستخدم الإعلانات هذه النظرية فيتم ربط مشروب ما بالرجولة، قطعة شكولاتة بالنعومة وإحساس الأنوثة، وجبة سريعة بالمرح والانطلاق.. ولأن احتياج الإنسان للسعادة والراحة والشعور بتقدير الذات هو احتياج أساسي وفطري، يستجيب سريعا لذلك الرابط الوهمي محاولا تحقيق هذه المشاعر بالطريقة السهلة المقترحة عليه. متناسيا أن هذه المنتجات لا تهدف لجعله سعيدا على الإطلاق، وإنما تهدف أولا وأخيرا لزيادة مبيعاتها وتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح، كما أنه سوف يصبح أكثر سعادة بالتأكيد إذا لم يكن يعاني من أمراض الضغط والسمنة والكوليسترول وغيرها من المشاكل الصحية التي يجلبها الإفراط في تناول هذا النوع من الوجبات السريعة والمشروبات عالية السكريات.
ولأنه يبحث عن السعادة في المكان الخطأ، يخفت أثرها المؤقت سريعا مما يدفعه لتكرار المحاولة مرة بعد أخرى بلا جدوى. العائلة السعيدة هي التي يجمعها التواصل الحقيقي والحوار المستمر، الذي يتم من خلاله فهم احتياجات كل فرد فيها واحترامه ودعمه لتنمية مهاراته وتحقيق أهدافه وأحلامه.. وقت المرح والانطلاق هو الوقت الذي يشعر فيه كل فرد في الأسرة بالأمان والثقة.. وهذا الشعور لا يأتي كهدية مجانية من السماء، وإنما بكثير من الجهد والصبر والفهم، والكفّ عن المقارنات مع آخرين لا نعلم عنهم شيئا ولا نرى منهم سوى صور براقة على مواقع التواصل، وبذل الجهد لتحقيق إنجاز واقعي وقياس النجاح على الإنجاز وليس على فشل الآخرين.