نافذة تأمُّل~
الأخوة .. الصداقة ..
معرّفان يستقيان من رافد واحد..
ويندرجان تحت مظلة التآلف والتوافق الروحي.
فلايحقّ أن تعدّي كل من تمتهن كلمة الصداقة صديقةً
والأخت أختاً إلا أذا أنزلتكِ موضع نفسها ..
إلا إذا كانت ببرها تعوّضك عن الرّحم المدبر ..
وتصلك بأسباب السّداد..
وتبعدك عن عوارض الغرارة والحداثة .
إنّ الصداقة هي دوماً موقف انفتاحٍ وعطاء..
فحين تأتيك الصديقة والأخت لحاجة في نفسك إليها ،
وفي نفسها إليك ..
كما تأتي النحلة إلى الزهرة ..
فتهديها اللقاح ..ولولاه ظلت زهرة عقيمة
وترشف منها رضابها ..لتهب منه عسلاً جنيّاً فيه الشفاء ..
فتلك هي الصديقة بحق..!
أو حين تهمّين بالقول وفي نفسكِ شيء ما ..
تفهمكِ قبل أن تبدأي الكلام . . وتفهميها أنت بالإشارة ..
فروحك روحها .. وأنت وإياها زهرتان على غصن واحد
تتبادلان العطر واللون .. وتنثرانه ..!
الحب في الله ~
تلك هي علامة المؤمن الذي يجعل القربى إلى الله الغاية في علاقته مع صاحبه..
وهل من شيء يقرّب المؤمن من أخيه أعظم من الأخوة الإيمانية؟
تلك التي تستقي وردها من النبع الصافي الذي لايشوبه كدر :الحبّ في الله ؟!
وما أوثقها من وشيجة لاتنفصم عراها ، ولا يعتريها الدهر بالتلون في كل حال !
إنها كلما تحقق فيها القيام بواجب الأخوة كلما ازدادت عمقاً ورفعة ومقاماً عند الله تعالى
وحين ترتقي تلك العلاقة وتأنس القلوب بها تكون قد وصلت لمرحلة ائتلاف الأرواح
( الأرواح جنود مجندة فما تعرف منها أئتلف
وما تناكر منها اختلف ).
ومضة في قول ~
(آه لو عرف الحق أحد لما عرف كيف ينطق بكلمة تسيء،
ولو عرف الحب أحد لما عرف كيف يسكت عن كلمة تسر،
ولن يكون الصديق صديقاً إلا إذا عرف لك الحق، وعرفت له الحب )٠
مظاهر الأخوة الإيمانية ~
المسلم أخو المسلم تلك حقيقة إيمانية وجب أن تستقرّ في القلوب ..
فماذا إذن على الأخ تجاه أخيه ؟
يجمل ذلك رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم في قوله :
" إياكم و الظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث ، و لا تحسّسوا ، و لا تجسّسوا ،
و لا تنافسوا ، و لا تحاسدوا ، و لا تباغضوا ، و كونوا عباد الله إخوانا ،
المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه و لا يخذله و لا يحقره ،
التقوى ههنا … و يشير إلى صدره ، بحسب امرئ من الشرّ
أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام :
دمه و عرضه و ماله ".
تلك هي الأمور الجامعة لجواهر السلوكيات ومظاهر الأداب في العلاقات الأخويّة
وهي أشبه بعقد بين طرفين له حقوق تشمل المال و البدن و اللسان و القلب ،
و بمراعاة هذه الحقوق تدوم المودة و تزداد الألفة ،
ويدخل المتعاقدين في زمرة المتحابين في الله ،
ومضة في قول ~
( الصديق هو الذي إذا حضر رأيت كيف تظهر لك نفسك لتتأمل فيها،
وإذا غاب أحسست أن جزءاً منك ليس فيك، فسائرك يحن إليك،
فإذا أصبح من ماضيك بعد أن كان من حاضرك،
وإذا تحول عنك ليصلك بغير المحدود كما وصلك بالمحدود،
وإذا مات يومئذ لا تقل إنَّه مات لك ميت،
بل مات فيك ميت، ذلك هو الصديق ) .
صور من الأخوة الإسلامية ~
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
" أن رجلاً زار أخاً له في قريةٍ أخرى ، فأرصد الله له ملكاً قال له : أين تريد ؟
قال : أريد أخاً لي في هذه القرية ..
قال هل لك عليه من نعمة ترُبُّها ؟
قال : لا غير أني أحببته في الله عز وجل ..
قال : فإنّ الله قد أحبك كما أحببته فيه ".
مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ،
حيث ضرب الصحابة أروع الأمثلة في الأخوة الإيمانية ..
قول الرسول الكريم في الصدّيق :
" لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا مِنْ أُمَّتِي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ , وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي " .
ومضة ~
( لا أريد بالصديق ذلك القرين الذي يصحبك كما يصحبك الشيطان
لا خير لك إلا في معاداته ومخالفته،
ولا ذلك الرفيق الذي يتصنع لك ويماسحك متى كان فيك طعم العسل ؛
لأن فيه روح ذبابة،
ولا ذلك الحبيب الذي يكون لك في هم الحب كأنه وطن جديد،
وقد نفيت نفى المبعدين.
فكل أولئك الأصدقاء لا تراهم أبدا إلا على أطراف مصائبك،
كأنهم هناك حدود تعرف بها من أين تبتدئ المصيبة
لا من أين تبتدئ الصداقة ) .
نصائح لك أيتها الأخت ~
* كوني عادلة مع من اختارها عقلك وقلبك صديقة في الله فلا تظلميها ،
وعامليها بإنصاف ..فذلك أدوم للمحبة وأبقى ..
* آزريها وكوني معينة لها ومدافعة عنها بالحق ، ولا تتركي لأحدٍ سبيلاً عليها ..
* أعينيها على قضاء حوائجها المشروعة ، وأوصلي لها أطراف الخير ،
وادفعي عنها مخالب الضرّ ..حباً وحفظاً للمودة ، ورغبة فيها عند الله من مثوبة
عن زيد لن ثابت عن الرسول الكريم :
" لايزال الله في حاجة العبد ، مادام في حاجة أخيه ".
* كوني لها في كل شدة وبلاء خير سند ، فمعادن الأصدقاء تظهر في الضراء
أكثر من السرّاء..
* ادعي لها بظهر الغيب ، وساعديها في حاجتها أيّاً كانت مادّية أو معنويّة ؛
فإن الأخوة في الله هي القائمة على المحبة الخالصة المحضة..
التي لاتخالطها مصالح الدنيا
( إنّما المُؤْمنونَ إخْوَةٌ)
حيث أن كلّ محبة تنقطع وتزول إلا المحبة القائمة على طاعة الله تعالى
فإنها تستمر في الحياة وبعد الممات عندما يشفع المتآخون في الله
لبعضهم بعضاً عند الله تعالى .
ومضة في قافية ~
إنّ أخاك الصِّدق من كان معك ~ومن يضُرُّ نفسه لينفعك
و من إذا ريب الزّمان صدعك ~ شتّت نفسه ليجمــعك
وللمحبة في الله ثمرات طيبة~
وما أعظمها من ثمرة تلك هي محبة الله تعالى لهم في الدنيا والآخرة ..
وأي نعمة في الآخرة أكبر من الاستظلال بعرش الرحمن :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
(إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟
اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي ).
وأي مذاق للروح أحلى من حلاوة الإيمان بالشيء يتبع المحبة له،
فمن أحبّ شيئا أو اشتهاه ، وإذا حصل له مراده،
فإنه يجد الحلاوة و اللذة و السرور بذلك ، واللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم
الذي هو المحبوب أو المشتهى … فحلاوة الإيمان ، لن تكتمل بها هذه المحبة إلا
بأن يكون حب الله ورسوله فوق كل حب .
وأن تتفرع من هذا الأصل محبة المرء مرتبطة بحب الله .
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :
(ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله و رسوله أحبّ إليه مما سواهما ،
و أن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله ، و أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ،
كما يكره أن يلقى في النار ).
إنّ المرء بمحبته لأصدقاءه وإخوانه .. لصلاحهم و استقامتهم
يلتحق بهم و يصل إلى مراتبهم ، و إن لم يكن عمله بالغ مبلغهم.
خاتمة المسك ~
الصداقة .. الأخوة
موقف .. من يمنح الثقة التامّة من حيث المبدأ
بحيث لايريد أن يجري حسابات مع الآخر ،
ولا ينسحب حتى ولو كان مهضوم الحقوق..!
فمهما كان حذر الإنسان الآخر ،
أو ماافلت من لسانه من قول .. أو أخطأ في فعل ،
فلاشيء يبرر سحب تلك الثقة ،
مادام ذلك الصديق في تطّور إلى الأفضل
فلا تغلقي الباب دون الصديقة المحبّة ..
ودعيها تدرك أن بإمكانها، وفي أي لحظة
أن تجد اليد الحانية ممدودة إليها حين تحتاجها ..!