هو علي هين
عندما كنت أقلِّب كتاب الله عز وجل استوقفني جزء من آية كريمة، لدقة وصفها
للقدرة الإلهية العظيمة في المنح والعطاء، توقفت عندها توقفًا قسريًّا كثيرًا جدًّا، وبدأت
أرددها ترديد المتأمل لا القارئ فحسب، ثم ما لبثت أن حاولت الربط بينها وبين السياق الذي
وردت فيه، فلاحظت أنها جاءت في سياقين في الكتاب العزيز لا ثالث لهما:
الأول: عندما منَّ الله على عبده ونبيه زكريا عليه السلام، وبشَّره بالذرية، وقد بلغ من الكبر عتيًّا
وكذلك كانت زوجته، طاعنة في السن أيضًا، ولديها علة عدم الإنجاب، فكيف بامرأة لا تلد
وهي شابة وفي مظنة الولد، أن تلد بعد أن شاخت ووهن عظمها، وضمرت أعضاؤها الحيوية
المتعلقة بالإنجاب، وهو ما كان مثارَ دهشة واستغراب نبي الله، ليأتيه الجواب بكل سلاسة:
﴿ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ [مريم: 9] [مريم: 21]، منه، من الله لعبد طلب من خالقه شيئًا
وهو يعلم في قرارة نفسه أنه من شبه المستحيل تحققه: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا ﴾ [الأنبياء: 89].
بل ويزيد في منته وفضله عليه بأن يجعله نبيًّا. ومن غير سابق اسم.
أما السياق الثاني: الذي وردت فيه هذه الصفة، فقد خرقت لها قوانين الكون ونواميسه، تجلى
ذلك عندما وهب المتفضل سبحانه لمريم عليها السلام ابنًا ﴿ غُلَامًا زَكِيًّا ﴾ [مريم: 19] ومن دون لقاء
طبيعي كما هي سنه الله في الخلق، ليثير ذلك في نفسها فضولاً، لتسأل باندهاش وتعجب
وحيرة: ﴿ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 20]؟!
فيأتها الجواب مباشرة: ﴿ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ [مريم: 9] [مريم: 21].
إذا كانت نواميس الكون وقوانينه تخرق وتعدل لتوافق إجابة دعوات بعض عباد الله
فمن باب أولى وأحق أن تكون هينة على الله، (وكل شيء عنده هين) أن يحقق مطالب عباده
مهما بانت أنها عظيمة وخارقة للعادة، وصعبة التحقق.
ماذا حدث لإبراهيم عندما ترك زوجه وولده في مكة ودعا لهما بالرزق؟
وماذا تحقق لسليمان عندما طلب ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده؟
وماذا تحقق لذي النون عندما دعا ربه وهو في بطن الحوت؟
وماذا تحقق لزكريا عندما نادى ربه نداءً خفيًّا؟
وماذا تحقق لنبي الله وكليمه موسى عندما سأل الله الوزير، فكان أخًا ووزيرًا ونبيًّا؟
هل سألت نفسك يومًا: كم من الأماني أجيبت لعبدالله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم؟
ستدهشك الإجابات والعطايا والمنح، عندما تبحث عنها في كتابه العزيز وبطون أمهات الكتب.
﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113].
كم وكم وكم من الأماني معلقة؟ تحتاج فقط الإدلاء بها على من ذكر لك أنه
﴿ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ [مريم: 9] [مريم: 21].
ارجع بالذاكرة قليلاً، ستجد أن الله قد حقق لك بعضًا من أمانيك وأحلامك، إن لم تكن
جميعها، تلك التي كنت ترى يومًا أنها عصية على التحقق، بل ربما تجد سيلاً من الأمان
ي أدركت وأنت في غفلة عنها.
انثر أحلامك وأمانيك ومطالبك مهما بدا لك أنها عظيمة عند من لا يعجزه شيء، عند من أمره
وقراره وتنفيذه بين حرفين لا أكثر، ستدهشك العطايا والهبات، من أجرى نواميس الكون وسننه هو
من يملك قرار تعديلها وإيقافها، لتحقيق أماني عبد من عباده إذا لزم الأمر. فبقدر ما يعظم طلبك
من الله بقدر ما يكون هين التحقق عنده. وكن على يقين تام أن المسافة بين الدعاء والإجابة
هي ذاتها المسافة بين المفردتين في قوله تعالى: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]
أتذكر بهذا السياق قول الحق تبارك وتعالى واصفًا قدرته المطلقة والمهيمنة:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44].
كما تمر بذاكرتي تلك الخاطرة البديعة للطبيب والكاتب الأمريكي أوليفر وندل هولمز عندما قال:
تكون أي دعوة عظيمة إذا تم السعي وراءها بإصرار.
أ. محمد بن عبدالله الفريح
i, ugd idk
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|