تعريف الغفلة:
غيبة الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكره له، وقد استعمل فيمن تركه إهمالًا وإعراضًا
كما قال تعالى: ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: 1]؛ [المصباح المنير، (2/ 449)].
الفرق بين الغفلة والنسيان:
• الغفلة: ترك باختيار الغافل.
• أما النسيان: فهو ترك بغير اختيار الإنسان.
• أما الذكر: فهو التخلص من الغفلة والنسيان؛ [مدارج السالكين، (2/ 434)]
ولهذا قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205]
ولم يقل: "ولا تكن من الناسين"؛ لأن النسيان لا يدخل تحت التكليف
فلا يُنهى عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وضع عن أمتي
الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه))؛ [ابن ماجه، (2/ 178)].
ومن علامات الغفلة:
أولًا: التكاسل عن الطاعات:
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ
قَامُوا كُسَالَى ﴾ [النساء: 142]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ((إن أثقل الصلاة
على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما
لأتوهما ولو حبوًا))؛ [متفق عليه].
ثانيًا: استصغار المحرمات والتهاون بها:
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ((إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل
يخاف أن يقطع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه فقال به هكذا، فقال
أبو شهاب: بيده فوق أنفه))؛ [البخاري، كتاب الدعوات].
ثالثًا: إلف المعصية ومحبتها والمجاهرة بها:
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل أمتي
معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح
وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه
ويصبح يكشف ستر الله عنه))؛ [متفق عليه].
أســباب الغــفــلة:
الغفلة لها أسباب كثيرة، ولكن من أبرزها ما يأتي:
أولًا: الجهل بالله تعالى، وبأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وبدينه؛ لأن العلم بالله لو رسخ
في القلب، وأدرك العبد قدرة الله وعظمته؛ فيجعله يخشى ربه ويعبده، قال الله تعالى:
﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].
ثانيًا: حب الدنيا والانشغال بالتكاثر في الأموال والأولاد:
وصدق القائل سبحانه: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾ [التكاثر: 1]، وكما قيل أن حب الدنيا رأس
كل خطيئة، والغفلة هي ثمرة حب الدنيا؛ قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7]؛ قال الحسن البصري: "والله ليبلغ أحدهم
من علمه بدنياه أن يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، ولا يحسن يصلي".
وفي الحديث يحدد الرسول صلى الله عليه وسلم صورة للإنسان الغافل؛ فيقول
صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يبغض كل جَعْظريٍّ جَوَّاظ، سخَّاب في الأسواق
جِيفة بالليل، حِمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة))؛ [صحيح الجامع]
أما الجعظري: فهو الرجل الفظ الغليظ المستكبر، وأما الجواظ: فهو الجموع المنوع
أي: الذي يحرص على جمع المال بنية فاسدة، وقيل: جواظ: الكثير اللحم المختال
في مشيته، وقيل: الأكول، والسخاب كالصخاب؛ أي: كثير الضجيج والخصام
فهذا الرجل كأنه لم يخلق للعبادة، وإنما خلق للدنيا وشهواتها، فإنه إن فكر فكر
للدنيا، وإن أحب أحب للدنيا، وإن عمل عمل للدنيا، فمن أجلها يخاصم ويزاحم ويقاتل
وبسببها يتهاون ويترك كثيرًا من أوامر الله عز وجل، وينتهك المحرمات من أجلها.
وإن من الخسارة العظيمة أن تضيع حياة العبد ما بين أمل طويل وعمل سيئ، فتراه
في نهاره عاملًا ناصبًا صاخبًا، جامعًا مانعًا، وللفرائض والآداب مضيعًا، فإذا جاء الليل
ارتمى على فراشه كالخشبة الملقاة أو الجيفة القذرة، لا يقوم لصلاة فريضة
فضلًا عن قيام ليل، وعبادة رب كريم.
ثالثًا: المعاصي من أعظم أسباب الغفلة:
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا أخطأ خطيئةً
نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب، سُقل قلبه، وإن عاد، زيد فيها
حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله؛ ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾
[المطففين: 14]))؛ [رواه الترمذي (3334)، وقال: حسن صحيح، وحسنه الألباني].
رابعًا: صحبة الغافلين جلساء السوء:
فالصاحب ساحب إما للخير أو الشر، والمرء على دين خليله، ويرسم القرآن مشهد
تبرؤ أصحاب السوء من بعضهم يوم القيامة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ
عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا
خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 9 2 ].
عـلاج الـغـفلة:
أولًا:ذكر الله تعالى وقراءة القرآن الكريم، وقد حذر الله تعالى من الغفلة عن ذكره
فقال سبحانه: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ
بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 205].
ثانيًا: حضور مجالس الذكر علاج لغفلة القلوب، وتذكر بالله وتلين
القلوب، وتذكر بعقابه وجنته وعفوه.
وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر))؛ [الترمذي].
ثالثًا: معرفة حقيقة الدنيا وأنها لا قيمة لها عند الله؛ فحقيقتها أخبر عنها الرسول
صلى الله عليه وسلم في سنن الترمذي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه
وعالم أو متعلم))؛ والمقصود من الحديث أنها مبعدة عن الله والدار الآخرة؛ لذلك
ذُمَّت ومعرفة أنها لا قيمة لها؛ فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة
ما سقى كافرًا منها شربة ماء))؛ [رواه الترمذي].
ثالثًا: الإكثار من ذكر القبر والموت، فكفى بالموت واعظًا؛ عن عمار بن ياسر
رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((كفى بالموت واعظًا...))
[البيهقي]، فلما سمع ذلك عمر رضي الله عنه اتخذها ختمًا له؛ فعن محمد
بن المتوكل قال: "بلغني أن خاتم عمر نقشه: كفى بالموت واعظًا يا عمر"؛ [ابن عساكر]
وكفى به منبهًا ومذكرًا، فكيف لمن يتذكر الموت ويحضر الجنائز ويزور المقابر
- أن يكون غافلًا عن طاعة ربه وعبادته ولقائه؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أكثروا ذكر هادم
اللذات؛ يعني: الموت))؛ [سنن الترمذي]، وروى مسلم في صحيحه وابن ماجه
في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة))؛ [سنن ابن ماجه].
رابعًا: قصر الأمل؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل))، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول:
"إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك
ومن حياتك لموتك"؛ [رواه البخاري]، فكان معنى ذلك التشبيه؛ أي: إنك أيها المسلم وطنك
الحقيقي الذي تحن وتشتاق إليه، وتتمنى العودة إليه، وتبني فيه ما تبني - إنما هو الدار الآخرة.
والله أسأل أن يتقبل العمل ويغفر لي.