07-30-2020, 03:37 PM
|
|
|
|
|
قصة نورة
{❤}
في إحدى ضواحي (فلسطين)، كانت هناك فتاة، لا تتجاوز السابعة عشر، كانت أكبر أخواتها،
لم يكن لها أخ..فأمها أنجبت خمس وردات، يعبقن جمالاً وحناناً.وكانت هذه الفتاة تدعى نورة.
لقد كانت فتاة غايةً في الذكاء، متفوقةً في دراستها وطموحةً بآمالها، كانت تنال درجات عالية،
يحبها الكل وتبادلهم بنفس الشعور. عوّدتها أمها على ذكر الله في كل حال وكل وقت،
فكان لسانها رطباً بذكر الله، لا تترك مكاناً إلا تذكر به ربها وخالقها، تحمده على نعمه وتشكره.
في أحد الأيام توجهت نورة إلى غرفتها، فلمّا كانت على وشك أن تفتح باب غرفتها،
إذ بها تسمع صوت أحد يبكي. حاولت معرفة مصدر الصوت، فعرفت بأنه يأتي من الخارج،
فهرعت لأمها تخبرها بما سمعت. قامت الأم وتركت كتابها الذي كانت منشغلةً بقراءته،
وتقدمت نورة في الطريق، فحالما خرجتا من غرفة المعيشة توجهتا للباب الأمامي.
طلبت نورة -قبل أن تهرع لأمها- من أخواتها حنان و دلال و ريم و نغم بأن يَبْقَيْنَ
في غرفتهن ويقفلن الباب لحين رجوعها.فتحت الأم باب بيتها فإذا بها تخطو إلى الخلف
في صمت. حاولت نورة أن تعرف سبب صمت أمها المفاجئ ورجوعها للوراء فتقدّمت
للأمام لترى ما يحدث.أمام عينيها رأت ما لم يكن في الحسبان.كان هناك طفل صغير،
من النظر إليه يبدو أنه مولود منذ فترة لم تتجاوز شهرين، تغطي الدموع عينيه
وتهتن كلما علت صرخاته وزاد بكاؤه. ركضت الأم للطفل الذي كان موضوعاً أمام بابها
الأمامي وجعلت تلمّه وتضمّه لحضنها والدموع تتساقط من عينيها.
نورة؛ بينما تنظر إلى الموقف الذي يحدث أمام عينيها لم تستطع فهم ما يحدث،
هل هذا الطفل حقيقي؟ لا..هذا مستحيل، لأنه لا يمكن أن يترك طفل لم يكن قادراً
على الزحف حتّى!! (أي نوع من الأمهات قد تترك ابنها وحيداً في هذه الليلة الباردة؟!)
ركضت نورة إلى الداخل وبحثت عن شيءٍ يمكن أن يغطي الطفل الصغير
من البرد القاسي فوجدت وشاحاً صوفياً ، فأخذته وتوجّهت إلى الباب الأمامي مجدّداً،
لكنها فجأة أوقعت الوشاح. كانت تنظر إلى الباب وقد كان مفتوحاً لكن لم يكن هناك أحد بالخارج.
التفتت نورة إلى غرفة المعيشة راجيةً أن تجد أثراً للطفل أو لأمها، فلم تجد أحداً أبداً،
وصعدت إلى الأعلى والخوف يغمرها، وتتلاشى آمالها في إيجاد أثر لأمها أو للطفل بعد أن
فتحت جميع الأبواب في المنزل. أحاطت نورة نفسها بذراعيها وبدأت ترتعش من الخوف.
أين أمها؟أين أخواتها؟أين ذاك الطفل؟
سقطت نورة على ركبتيها وهي مصدومة، كيف حدث هذا؟ لقد التفتت لفترة
وجيزة لتحضر الوشاح ويختفي في هذه اللحظات كل من في البيت؟!
(هل هذا معقول ؟ ما الذي يحصل ؟) فجأة سمعت جرس الباب يدق.
(من هذا يا ترى؟ أيمكن أن تكون عائلتي؟) بدأت نورة تتهادى على رجليها
متوجهةً للباب الأمامي، وهي في حالة من الأمل والخوف، صراع في نفسها
وأفكار سوداء وبيضاء تبدأ بتلطيخ عقلها وذهنها. أحسّت نورة وكأن حياتها تعتمد على
من خلف الباب. وضعت يدها على مقبض الباب، وأخذت نفساً عميقاً ثم بدأت
بتحريك القبضة. ما إن فتحت الباب حتى أعمى بصرها ضوءٌ أبيض قويُ جداً،
فاضطرت أن تغطّي عينيها بكلتا يديها. سمعت أصواتاً لكنها لم تستطع التركيز
لأن الألم في عينيها يمنعها من ذلك. أحست نورة بيد تمتد وتمسك كتفها، لم تعرف
من صاحب اليد لكن بدنها اقشعر من تلك اليد.أحسّت بالدفء والأمان لسبب ما.
لربما كان صاحب اليد شخص تعرفه، ثم سمعت أحدهم يهمس في أذنها قائلاً:
(إن الله مع عباده في كل حال..اصبري وستنالين ما هو أعظم مما فقدتي).
اختفى النور فجأةً، وفتحت نورة عيناها. وجدت نورة نفسها في سرير ممزق،
كانت ترتدي ملابس مهترئة، وكان وجهها ذابلاً قليلاً. نظرت من حولها آملةً أن تجد
فرداً من عائلتها. لكنها لم تجد أحداً، شقّت الدموع طريقها على وجنتيها المغطاة
بطبقة رقيقة من الغبار حارقةً عينيها من الألم ، وصدى صوتها الباكي يتردد في هذه
الغرفة الفارغة. ظلّت الدموع تتساقط ، و ونّات نورة لا تتوقّف .
أخذت تتذكر ما حدث لها منذ أن خرجت لباب بيتها الأمامي، إلى مكانها الحالي
الذي لم تتعرف عليها. اليد ، تلك اليد لم تكن غريبة، وذاك الصوت بدا مألوفاً لها.
مسحت نورة الدموع من عينيها وحاولت أن تهدئ نفسها وتفكّر جيّداً بالصوت.
صوت رزين وفي نفس الوقت رقيق، أحسّت بالحنان بعد سماعه.
أيعقل أن يكون صوت أمها؟
ظلّت تفكّر مليّاً، فقد أحسّت بأنها نسيت صوت أمها، وكأنها لم تسمعه منذ وقت طويل،
وكأن صوتهـا دفن في رمـال النسيـان مع عائلتهـا ، لكنها تذكرته في نهاية الأمر.
لقد كان صوت أمها!إنها أمها!
ابتسمت وأحست بدفء يسري في جسمهـا على الرغم من برودة الجو .
غرقت في التفكير مرة أخرى ، وفكّرت بما قالته لها أمهـا قبل أن تختفي:
(إن الله مع عباده في كل حال).
لقد تعودت أن تسمع هذه الجملة من أمها كثيراً،
رغبةً منها بتذكير ابنتها بالمواظبة على ذكر الله.
❤
(اصبري وستنالين ما هو أعظم مما فقدتي).
هنا توقّف ذهن نورة عن العمل، وأحسّت بالدم ينشف من عروقها،
ودقّات قلبها تكاد تسمع، تتسارع شيئاً فشيئاً. أعادت نورة التفكير
بآخر جملة ..أعظم مما فقدت؟هل فقدت شيئاً؟ هل يمكن أن يكون...
بدأت نورة بالارتجاف، وهي تفكّر بما فقدت، لكنها غير قادرة على التذكر..!!
إلى أن رفعت رأسها فجأة، فقد أحسّت بباب في باطن عقلها يفتح كاشفاً عن
عاصفة من الذكريات،ذكريات لم تتذكرها نورة،أو تناستها عمداً.
دبابات، جيوش، قتلى وجرحى، دم على يديها، دم أمها وإخوتها..
أجهشت نورة بالبكاء،لم تكد تصدّق نفسها! كيف نسيت أنها فقدت عائلتها بأكملها في الحرب؟!
لقد كان حادثاً فظيعاً وصدمةً قويّةً لدرجة أن نورة أرادت أن تموت في تلك اللحظة.
فكّرت نورة بالطفل أمام الباب، لقد كان ذلك بدايةً لمأساتها، إذ خرجت بالوشاح
لتغطية الطفل كما تذكر، ونظرت هي وأمها يميناً ويساراً بحثاً عن شخص ما قد
يكون قريباً للطفل، فإذا بامرأة تعرج في مشيتها مبتعدة عن منزلهم، ففهمت الأم
ونورة سبب ترك تلك الأم لطفلها ، أحسّت نورة بالذنب لسوء ظنّها بأم الطفل
بأنها لم تستحق بأن تكون أماً وطأطأت رأسها لتنظر إلى الطفل بين ذراعيها
بعد أن سلمته أم نورة لها،وتوجّهت للمرأة التي تعرج بعيداً لكي تقدّم لها المساعدة.
وبينما كانت نورة منشغلةً بملاعبة الطفل إذ بها تسمع صوتاً غريباً من بعيد.
تحديداً خلف منزلهم. توجّهت نورة إلى الخلف لترى ما سبب الصوت الغريب ،
و كانت الأم والمرأة قد دخلتا البيت.صدمت نورة لما رأت، فقد كان المنظر مروّعاً!
رأت نورة من بعيد رجالاً مسلّحين بالأسلحة من مسدسات و دبابات وقنابل.
ارتعدت نورة من الرعب، فقد كانوا يقتربون بسرعة كبيرة! صرخت نورة لأمها بأن تخرج
لأن الأعداء قادمون،فطلبت الأم من المرأة بالخروج واصطحاب ابنتها بعيداً لحين
إخراجها لباقي بناتها، وكانت علامات الخوف مرسومة على وجه الأم، فقد كانت خائفةً
من قدوم الأعداء وتهديدهم بأخذ فرد آخر من عائلتها. أسرعت الأم لغرفة بناتها بينما
أخذت المرأة نورة وركضت بها بعيداً، بينما نورة تحاول الرجوع للخلف، فلم يطاوعها
قلبها أن تترك أسرتها وعائلتها!ف سلّمت الطفل لأمه وركضت إلى منزلها ،
حتى حدث ما يحزن القلوب، ويبكي النفوس.
انفجر بيتها انفجاراً كبيراً، وسقطت نورة على الأرض من قوّة الانفجار، لكنها لم
تصب بأذى، فقد كانت بعيدةً عن منطقة الخطر. رفعت رأسها من على الأرض
وأبقت تركيزها على حطام ما كان قبل الانفجار (منزلها). أخذت تضرب يديها على الأرض
وهي تبكي وتصيح بأمها وإخوتها، راجيةً أن يرد لها أي أحد، لكن دون جدوى.
أمسكت المرأة بنورة من ذراعها وأخذتها بحضنها وحاولت تهدئتها وهي تبتعد
عن حطام منزل نورة. كان هذا الجزء مؤلماً جدّاً لنورة، لم ترد أن تتذكر هذا الجزء..فقد كان
يحرق قلبها كثيراً، فقد امتدّت يد الأعداء لمنزلها وصنعت الخراب فيه، وأودت
بأسرتها دفعةً واحدة. أخذت نورة –بعد أن عادت إلى الواقع- بالدعوة لله بأن يغفر
لأسرتها، ثم قامت من السرير والدموع لا تزال تسيل من عينها، وقد ذهبت إلى ما بدا
كالنافذة لكنها مجرّد كوّة. مسحت نورة دموعها ،وأخذت تذكّر نفسها أن ما حدث
قضاء من الله، ثم رفعت ناظريها وهي تطالع الجدار ، لكنها في الحقيقة قد
ركّبت أحجية الأحداث الغريبة التي مرّت عليها قبل قليل..
كان ما حصل من أحداث خارجةٍ عن الطبيعة ، اختفاء أسرتها، واختفاء الطفل،
كلمات أمها والضوء الأبيض،كل ذلك كان حلماً. وحين وجدت نفسها في تلك الغرفة ،
عادت لعالم الواقع .
خرجت نورة من الغرفة التي كانت قد استيقظت بها، وتوجّهت إلى باب قريب ،
فدخلت غرفة أخرى ،رأت هناك صبيّاً صغيراً، من الممكن أن يكون ذو سنتين.
كان نائماً على حضن امرأة ما. لقد كانت هذه المرأة هي من اعتنت بها بعد الانفجار.
لقد عرضت على نورة عنايتها فكانت حقّاً ذو أخلاق جميلة، أتت لهم خوفاً من إصابة
مكروه بطفلها، فانتهى المطاف بانضمام نورة لأسرتها الصغيرة. لقد كان قلبها
كبيراً وأحبّت نورة كابنتها ، لقد اعتنت بها وهي في حال صعبة،
فإن بيت (أم الطفل) بسيط ومهدّم جزئيّاً، وثيابها مهترئة، لكنها رغم ذلك
كانت هناك لتقدّم المساعدة ، وتهتم بالغير أكثر من اهتمامها بنفسهـا.
دنت نورة إلى (أم الطفل) التي كان اسمها وفاء وقبّلت رأسها وابتسمت ابتسامة شكر
ممزوجة بدفء وحنان. لقد كانت سعيدةً بأنها وجدت من يوفّر لها الحنان والأمان
بعد أن فقدته، هي وشقيقها (سعد) ، الطفل الذي أصبح بمثابة شقيقها الصغير.
حمدت نورة الله على النعمة التي أنعم بها عليها وتوجّهت إلى غرفتها لتنال
قسطاً من الراحة ، بعد أن ارتاح قلبها وضميرها، وأحست بالانتماء والأمان،
وأن الله لا يترك عباده في كل حال فقالت قبل أن تغط في نوم عميق:
(لقد صدقت يا أمي،فإن الله مع عباده في كل حال، الحمدلله على كل حال من الأحوال).
{❤}
آتمنى تعجبكـم
rwm k,vm k,vj
***
**
|
4 أعضاء قالوا شكراً لـ ولد الذيب على المشاركة المفيدة:
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 02:58 AM
|