07-08-2020, 10:49 PM
|
|
|
|
سماحة الرسول مع عدي بن حاتم
فقد كانت من فروع ربيعة القحطانية[1]، وهم فرع بعيد جدًّا عن فروع قريش العدنانية، ومن ثَمَّ فالحساسية القَبَلِيَّة بينها وبين قريش كانت على أشدِّ ما يكون، وكان لقبيلة طيئ صنمها الخاص بها واسمه «الفلس»، وكان الناس يزورونه من أماكن بعيدة.. ثم إن فريقًا منهم تَنَصَّرَ ويَمَّمَ وجهه شطر الدولة الرومانية، فحالفها وتعاون معها.
ومن ثَم تجمعت عدة عوامل تمنع هذه القبيلة من قبول فكرة الإسلام: أمور قبلية، وأمور عقائدية، فضلاً عن موالاتهم للدولة الأولى في العالم وهي الدولة الرومانية.
فإذا أضفت إلى كل ذلك أنهم كانوا من القبائل القوية التي تبسط سيطرتها على مساحات شاسعة في الجزيرة، حتى لم يكن يأمن أحد على سفره إلى العراق أو الشام إلا بموافقةٍ وقبولٍ من رجال قبيلة طيئ.. إذا أضفت ذلك، علمت أن تفكيرهم في الإسلام سيكون متأخرًا جدًّا.
ثم تدرك مدى عداوتها للإسلام حين تعلم أنَّ من أبنائها «كعب بن الأشرف» الزعيم اليهودي المشهور، الذي ناصب المسلمين العداء في كل مكان؛ فقد كان أبوه من طيئ، وأمُّه من بني النضير، ولما اشتدَّ كيدُه للمسلمين وألَّب عليهم الجزيرة العربية بكاملها، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، فقُتل، وفقدت طيئ بمقتله رمزًا مهمًّا من رموزها بين العرب.
عدي بن حاتم الطائي
كان على رأس هذه القبيلة العزيزة «عدي بن حاتم الطائي»، وهو ابن الزعيم العربي الشهير «حاتم الطائي»، الذي كان مضربًا للمثل في الكرم وحسن الضيافة.
شعر «عدي بن حاتم» أن البساط يُسْحَبُ من تحت أقدامه، وأن مكانته تَهتَزُّ في الجزيرة العربية؛ فحقد حقدًا شديدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقول: «بُعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين بُعث، فكرهته أشد ما كَرِهْتُ شيئًا قَطُّ»[2].
ومرَّت الأيام، وفُتِحَتْ مكة، وآمن أهلها، وأسلمت هوازن، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم السرايا هنا وهناك تَهْدِمُ الأصنام التي تُعْبَدُ من دون الله، وكان من السرايا التي أرسلها صلى الله عليه وسلم سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى قبيلة طيئ لهدم صنم الفلس، وقاومت طيئ مقاومة شديدة.
ثم إنهم فَرُّوا في كلِّ مكانٍ، وأُسِرَ بعضُهم، وفَرَّ عدي بن حاتم إلى حلفائه من ملوك الشام، وأُسِرَتْ أخته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنَّ عليها بغير فداء، فانطلقت إلى الشام تدعو أخاها إلى القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: «لقد فعل فِعْلة ما كان أبوك يفعلها، ائته راغبًا أو راهبًا[3]!!
بر الرسول مع عدي بن حاتم الطائي
كان عدي بن حاتم قد كره حياته كلاجئ في غير بلاده.
ولنترك له الأمر ليُصَوِّرَ حاله حينئذٍ..
يقول عدي: «فكرهت مكاني الذي أنا فيه، حتى كنت له أشد كراهية له مني من حيث جئت، فقلت: لآتيَنَّ هذا الرجل، فوالله إن كان صادقًا فلأسمعَنَّ منه، وإن كان كاذبًا ما هو بضائري»[4].
وجاء عدي بن حاتم إلى المدينة المنورة، وهو في هذه الحالة المنكسرة، وهو في هذا الضعف الذي لا يَخْفَى على أحد، فماذا فعل معه رسول الله صلى الله عليه وسلم..؟!
يقول عدي بن حاتم: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا عَدِيُّ بْنَ حَاتِمٍ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ» ثَلاثًا.. قُلْتُ: إِنِّي عَلَى دِينٍ. قَالَ: «أَنَا أَعْلَمُ بِدِينِكَ مِنْكَ».فَقُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِدِينِي مِنِّي؟! قَالَ: «نَعَمْ، أَلَسْتَ مِنَ الرَّكُوسِيَّةِ وَأَنْتَ تَأْكُلُ مِرْبَاعَ قَوْمِكَ؟» قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا لاَ يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ».قَالَ: فَلَمْ يَعْدُ أَنْ قَالَهَا فَتَوَاضَعْتُ لَهَا.
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنِّي أَعْلَمُ مَا الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنَ الإِسْلاَمِ؛ تَقُولُ: إِنَّمَا اتَّبَعَهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ، وَمَنْ لاَ قُوَّةَ لَهُ، وَقَدْ رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ. أَتَعْرِفُ الْحِيرَةَ؟».قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ سَمِعْتُ بِهَا. قَالَ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ، وَلَيَفْتَحَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ». قُلْتُ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ؟! قَالَ: «نَعَمْ، كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ، وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ»[5].
هكذا وفي بساطة شديدة قَبِل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القائد الكبير، والزعيم المعروف في صفوف المسلمين، ولم يقُلْ في نفسه لعلَّه يحرِّك جموعَ طيئ ضد الإسلام، ولم يذكر حربه للمسلمين، ولا كرهه لهم.. إنما تعامل معه في منتهى الحلم والرفق والتقدير.
وقد قال عدي بن حاتم رضي الله عنه بعد ذلك: فَهَذِهِ الظَّعِينَةُ تَخْرُجُ مِنَ الْحِيرَةِ فَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارٍ، وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَنْ فَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ؛ لأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَهَا!!
[1] تنقسم القبائل العربية إلى قسمين كبيرين هما قحطان وعدنان، فمن فروع عدنان: ثقيف، وبنو كلاب، وبنو بكر بن وائل. ومن فروع قحطان: بجيلة، وبنو طيئ.
[2] ابن الأثير: أسد الغابة 3/504، والذهبي: تاريخ الإسلام 1/354.
[3] أحمد (19400)، وابن حبان (7206)، والطبراني في الكبير (13925).
[4] أحمد (19397)، وقال شعيب الأرناءوط: بعضه صحيح وهذا إسناد حسن. والحاكم (8582)، وابن حبان (6679). وأخرج البخاري جزءًا من هذا الحديث، وهو المتعلق ببشريات الرسول لعدي عن الحيرة وكنوز كسرى وفيض المال في المناقب، باب علامات النبوة (3400).
[5] أحمد (19397)، وقال شعيب الأرناءوط: بعضه صحيح وهذا إسناد حسن.
|
|
slhpm hgvs,g lu u]d fk phjl ohjl
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
7 أعضاء قالوا شكراً لـ رحيل المشاعر على المشاركة المفيدة:
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 08:49 AM
|