الهجرة وأهل مكة
سمع بعض العرب بالجائزة التي أعدها أهل مكة لمن يعثر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مائة جمل فخرجت قبيلة أسلم وكان عددها سبعين رجلاً يرأسهم بريدة بن الحصيب الأسلمي معهم السلاح من سيوف ورماح ليقبضوا عليه فيفوزوا بالجائزة
فلما اقترب منهم صلى الله عليه وسلم قال له بريدة: من الرجل؟ قال: أنا محمد رسول الله ولم ينكر نفسه ولم يعمِّ شخصيته ، فما كان من أمر الله إلا أن قذف الإيمان في قلب بريدة ، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وإنك عبد الله ورسوله ، فأسلم ومن معه من قومه وقال: يا رسول الله لا تدخل المدينة هكذا وحدك
وقسم السبعين إلى فريقين وصفهما صفين صف على اليمين وصف على اليسار يحملون سيوفهم ورماحهم في عرض عسكري وتشريف رباني إلهي ، ثم فك عمامته وجاء برمحه وربط فيه هذه العمامة فكانت راية بيضاء حملها في مقدم الصفوف وقال: يا رسول الله أمشي أنا في المقدمة بهذه الراية وهؤلاء عن يمينك وهؤلاء عن يسارك وتمشي أنت في المؤخرة
وبينما هم يتحدثون إذا بعبد الرحمن بن عوف يأتي من بلاد الشام ، وكان في تجارة فقال: يا رسول الله أتدخل المدينة هكذا؟ لا والله لقد اشتريت ثوبين من أثواب الملوك ولا يليقان إلا بمثلك فخذهما وألبسهما لتدخل المدينة دخول الفاتحين ، فلبس أثواب الملوك ودخل في هذا الجيش المحشود ليتم الله عليه نعمته ويؤيده الله بنصرته لأن الله وعده أن ينصره نصراً عزيزاً صلى الله عليه وسلم
ثم دخل المدينة وكان الأنصار قد أعدوا لهذا اليوم عدته منهم من جهَّز طعاماً لحَبيب الله ومنهم من جهَّز شراباً طيباً لرسول الله ومنهم من جهز تمراً ومنهم من جهز حلوى ومنهم من جهَّز فاكهة وكلهم يريد أن يمسك بناقته ، فقال صلى الله عليه وسلم: {دَعُوهَا فًّانَّهَا مٌّامُورَة} {1}
فكانت إذا مرت ببيت يهودي تمر مسرعة ولا تقف وإذا مرت ببيت أنصاري تقف بأمر الله حتى يقدم تحيته لرسول الله ومن معه بأمر الله ، فلما كان الموضع الذي اختاره الله لبناء مسجده وموضع إقامته أناخت بأمر الله فجاء أبو أيوب الأنصاري وحمل الرحل إلى بيته وتنافس الأنصار في ضيافة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: { المرء مع رحله } {2}
ودخل إلى دار أبي أيوب فلما استقر قال: يا أبا أيوب أين الكتاب الذي تركه تبَّع؟ فأسرع إلى إحضاره ما هذا الكتاب وما قصته؟
غزا تبَّع ملك اليمن المدينة قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها بثلاثمائة سنة ولما همَّ بدخولها خرج إليه أحبار اليهود وقالوا: اعلم بأنك لن تتمكن من دخولها لأنها مهاجر نبي يبعثه الله في آخر الزمان فاستشار من معه من العلماء وكانوا أربعمائة عالم هم أجداد الأنصار من الأوس والخزرج فأقروا بذلك
فأعطاهم مالاً وزوجهم وبنى لكل عالم منهم بيتاً وملَّكه له وبنى لكبيرهم بيتاً من دورين وسلمه له ، وسلمه رسالة وقال إذا هاجر نبي آخر الزمان إلى هذا المكان فهذا بيته بنيته له وهذه رسالة سلمها إليه وكتب في هذه الرسالة قائلاً:
شهدت على أحمد أنه رسولاً من الله باري النسم
فلو مُدّ عمري إلى عمره لصرت نصيراً له وابن عم
وجالدت بالسيف أعداءه وفرجت عن صدره كل هم
فمنا قبائل يؤونه إذا حل فى الحل بعد الحرم{3}
وروى أحمد عن بن سعد: {لاَ تَسُبُّوا تُبَّعاً فَإنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ} ، وفى النهاية : {فأنه أوَّلُ من كسَا الكعْبة} ، وفى المستدرك عن عائشة: {ألم تروا أنَّ الله ذمَّ قومّه ولم يذمْه}
فانظر إلى من تمسك بهدى الله واستمسك بدين الله كيف أعزه مولاه وبنى له بيتاً قبل هجرته بثلاثمائة عام أو يزيد ، وهيأ له من يصحبه من الرجال بالسيوف ومن يكسوه بثياب الملوك ومن يحميه من أعين الكافرين وقال في ذلك {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ} التوبة40
وهكذا أمر كل مسلم وأمر كل مؤمن يتمسك بهدى الله ولا يغير شرع الله بأهوائه أو بأهواء من حوله ولا يغير مبدأ أقره الله عليه ولا ديناً أنشأه الله عليه لابد أن يعزه مولاه وينصره الله لقول الله {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} المنافقون8
قال صلى الله عليه وسلم: {لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ}{4}
{1} رواه الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن الزبير {2} الطبري في ( التاريخ ) {3} وردت فى تفسير القرطبى وخلاصة السير الجامعة لنشوان الحميرى واللمع اللؤلؤية فى شرح العشر بينات النبوية للفارابى {4} متفق عليه
|
hgi[vm ,Hig l;m hgi[vm
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|