يظهر مرض الشك عند الرجال أو النساء واضحًا ودون سابق إنذار في لحظة معيّنة، وذلك عندما يتصرف أحد الشريكين بطريقة تثير المخاوف من الخيانة لدى الطرف الآخر، لإدارة هذه المخاوف الناتجة، قد يصبح الشريك الشَكوك مهتمًّا جدًا أو فضوليًا أو عدوانيًا، وغالبًا ما تزداد هذه السلوكيّات أثناء تنشيط سلوكيات الانسحاب أو التحدي من الشريك الآخر، ويولد هذا الانسحاب المزيد من الشكوك لدى الشخص الغيور، الذي يقوم بجهود استكشافية تولد بدورها مزيدًا من التهرب. [١]نمط التصعيد
في المواقف التي يكونُ فيها الشريك شكوك جدًا تبدأ المسافات البينية بينه وبين زوجته بالتباعد، وغالبًا ما تؤدي سلوكياتهم وردود أفعالهم إلى نمط من الانفصال المتبادل، وبغض النظر عن أسباب الشك، فمع مرور الوقت يصبح الأفراد مستقطبين، ويتميز مرض الشك عند الرجال بالاستقرار في حالة من اليقظة والانتباه وعدم الثقة بكل سلوكيات الطرف الآخر، وبالنسبة لشريكته، والتي ستكون تحت المراقبة، فإنها ستشعر في سرها بالاستياء، ويعزز تصعيد الموقف بينهما من مشاعر الإحباط واليأس حتى العنف.[٢]
ومن المهم التأكيد على أنّ هذه الأنماط من مرض الشك عند الرجال يمكن أن تبدأ بسلوكيات أي من الشريكين، ففي بعض الأحيان، يتفاعل الشريك الغيور مع سلوك بريء من الشريك الآخر بطريقة تدل على أنه يبحث عن أدلة لإثبات أن شريكته تفضل شخصا آخر، وفي حالات أخرى، يكون الشريكة هي التي تدعو سلوكياتها إلى الشك من خلال التصرف بغرور أو تشتت وسرحان، أو قد تكون هناك ذكريات خيانة، تؤدي إلى فقدان الثقة لدى الشريك، من وجهة نظر علاجية، في البداية على الأقل، لا يهم من أين بدأ الأمر؛ المهم هو أن يتم فهم ونزع سلاح نمط التصعيد.[٢]
يميلُ الرجل الشكوك إلى أن يصبح هاجسيًا بشكل متزايد ويشغل عقله باستمرار بالشخص الثالث في مثلث الحب، للتعامل مع مرض الشك عند الرجال يصبح الرجل المتشكك مدفوعًا لبناء أدلة للتخلص من الغموض الذي يعتري حياته، وهذه الادلة ليست بالضرورة صحيحة، إنها تؤدي بالرجل الشكوك إلى التفكير في أسوأ مخاوفه حتى مع وجود تطمينات من الشريك أو أدلة التي توضع أمامه، والكلمة الألمانية للشك تشير إلى طابعه القهري Eifer-Sucht والتي تعني حرفيًا هوس الغيرة.[٣]
أثناء حصول هذا الهوس، فإن الشخص الشَّكوك لا يكون مدركًا للنزاعات الداخلية اللاشعورية الأخرى التي سببت هذه الحالة، ولكنه شيعر فقط بحالة من الوسواس العقلي الإجباري عن الخيانة، إن هذا الشخص سيركز قدرًا كبيرًا من طاقته الحيوية في محاولة منه لتسوية الغموض، بحيث لن يتبقى سوى القليل من الطاقة لمعظم الجوانب الأخرى من حياتها الشخصية، ويتشبث بيأس بشريكته، والتي ستواجه صعوبة في ممارسة حريتها وتوجهها الذاتي.[٤]
المثلث دائمًا
الطرف الثالث في مثلث الشّك عادة ما يكون بصورة شخص آخر في علاقة رومانسية مع الشريك، فعندما يكون هناك حبيب حقيقي للشريك موجود وواضح في الحقيقة، فإنّ تأثير هذه العلاقة يلعب بالتأكيد دورًا سلبيا كبيرًا، ويحافظ على ديناميكيات العلاقة الصعبة بين الزوجين، ومع ذلك، يمكن أن يستهدف مرض الشك عند الرجال أو النساء جميع الأشخاص الآخرين، مثل صديق أو أحد الوالدين أو زوج سابق أو طفل من زواج سابق أو حب قديم، فقد يتم تصوّرهم جميعًا كمنافسين، ففي بعض الأحيان يكون المنافس شخصًا من الماضي يُنظر إليه على أنه المفضل لدى الشريكة.[٢]
فإنّ التصور بأن شخصًا آخر كان ذات يوم مميزًا جدًا، يمكن أن يثير مشاعر الاستبعاد والخيانة، وفي كثير من الأحيان يكون سبب مرض الشك عند الرجال أو النساء هو موقف لا يشمل شخصًا معينا، ولكنه يخلق مسافة بين الشريكين تُعدّ بمثابة تهديد لخصوصية أو أولوية رابطة الحب، فقد يثير العمل الطويل أو الدراسة في الجامعة أو الهوايات أو الحيوانات الأليفة أو الهواتف الذكية أو استعمال الإنترنت أو المواد الإباحية أو أي اهتمام آخر مستهلك للوقت مشاعر الاستبعاد ويؤدي الى تحفيز التفاعل بين الشركاء، أن هذه الحالات عادة ما تحتوي على مزيج من الواقع والأوهام.[٢]
الشك الطبيعي والشك المرضي
وصف العديد من المؤلفين مرض الشك عند الرجال بأنه سلسلة من ردود الفعل التي تتراوح من المعيارية إلى المرضية، اذ تشير الدرجة الأولى، أو ما يسمّى بالشكوك المعيارية، إلى الشعور بالتهديد المؤقت من خلال علاقة خارجية سابقة معترف بها علنيًا[٥]، وتتضمّن الدرجة الثانية إحساسًا سابقًا بالضعف يتضمن مخاوف استباقية وهوس بدرجة متوسطة، والدرجة الثالثة وهي حالة مرض الشك المرتبطة بأعراض عصبية, والتي غالبًا ما يتم وصفها بتسمية متلازمة عطيل، وهو مرض يرتكز على التشويه والوهم وجنون العظمة حتّى الهذيان، في هذه الأشكال المتطرفة، يكون الشخص متأكدًا من تصوراته للخيانة بغض النظر عن الأدلة المخالفة.[٦]
قد تكون هناك عوامل بيولوجية عصبية تجعل من تجليات الشخص مستمرّة، وقد وترتبط الشكوك أحيانًا بالعمليات الذهانية أو اختلال وظائف المخ أو الشيخوخة، إذ أشارت دراسة (Marazziti (2003 أن الأشخاص الذين يعانون من الشك المفرط لديهم تغييرات كبيرة في أنظمة هرمون السيروتونين، وعندما لا تكون المشكلة قابلة للعلاج النفسي، يمكن الإشارة إلى اللجوء للعلاج العصبي والدواء.[٦]
إيجاد التوازن بين الأمان والحرية
تشير ميتشل (2002) إلى أنّ الجميع يتوق إلى الإحساس بالأمان في المنزل، ومع ذلك فإنهم يتوقون أيضًا إلى التحكم الذاتي بحياة الآخرين واستكشاف الجديد، ويختلف الأفراد كثيرًا من حيث مقدار الحرية التي يتوقعونها لأنفسهم وشركائهم، فبينما يخطط بعض الأزواج إلى ترتيب رحلة في عطلة نهاية الأسبوع يكون فيها وحيدًا، يعاني البعض الآخر من الانفصال لمدة ليلة واحدة، ويجد البعض أن ملاطفة الآخرين مقبولة، بينما لا يمكن للآخرين أن يسمحوا للشريك أن يكون لديه أصدقاء مقربون، يحتاج معظم الأزواج إلى توازن في الأمان والحرية للحفاظ على الحيوية في علاقتهم طويلة الأجل.[٢]
ومع ذلك، فإنّ الأزواج الذين يعانون من مرض الشك عند الرجال ينتهي بهم المطاف في مواقف قطبية مع شعور شريكتهم بالتهديد بالانفصال وتصر هي الآخرى على الحق في بعض الحرية، تقليديا، يشعر الرجال بأنهم مهددون باستقلالية المرأة، ذلك لإن حقيقة أنها تتولى مسؤولية احتياجاتها الخاصة، أو أن لديها العديد من الأصدقاء الآخرين، أو أن لديها موارد خاصة بها، فإن هذه الأشياء يمكن أن تعني ضمنيًا أنها لا تحتاج إليه، وحتى بدون أي دليل على الخيانة، فإن طريقة هذه المرأة المستقلة في الحياة يمكن أن تلهم مرض الشك عند الرجال.[٢]
خريطة العلاج العيادي
عادة ما يأتي الأزواج الذين يعانون مرض الشك إلى العلاج النفسي، فإن الشريك الغيور يشعر بأنه عاجز وغير قادر على الثقة بشريكة حياته؛ بينما تشعر هي بالاضطهاد وأنها تقبع تحت الحصار، والهدف من العلاج ليس القضاء على الغيرة الطبيعية، وبالنسبة للكثيرين فإن هذا الأمر سيكون مرفوضاً تماماً، بدلاً من ذلك، يعمل المعالج على تهدئة الصراع الحاصل بين الزوجين من أجل تفريغ المعاني والمشاعر الداخلية غير المعلنة المضغوطة في تفاعلاتهم المشدودة، إذ تميل المشاعر والأوهام إلى فقدان قوتها بمجرد التحدث عنها ودمجها في سرد يتضمّن جوانب متعددة من الحياة، في الماضي والحاضر، وهكذا فإن العلاج يهدف إلى تحويل مأزق الزوجين عن طريق تسهيل التعبير عن رغبات وتطلعات يمكن فهمها أولاً ثم التفاوض بشأنها بينهما.