المرتزقة عبارة عن محاربين يُستأجرون للمشاركة في النزاعات مختلف الأطراف، دون أن يكونوا منتمين بأي شكل من الأشكال للقوات النظامية للحكومات
عندما اكتشف الخلفاء العباسيون غباء استئجار المرتزقة دون القدرة على التحكم فيهم :
كانت الخلافة العباسية ثاني خلافات السلالات المتوارثة التي حكمت الإمبراطورية الإسلامية. في أوج قوتهم، تزعم العباسيون بلاداً امتدت من المحيط الأطلسي إلى الحدود الصينية، ومن آسيا الوسطى إلى حدود الهند، غير أن حظوظهم أخذت منعطفاً خطيراً عندما استعان الخلفاء الأقل كفاءة منهم بالمرتزقة الأتراك، ثم فشلوا في السيطرة عليهم والتحكم فيهم.
بدأ الأمر كله مع الخليفة المعتصم في القرن التاسع ميلادي: لقد كان الخليفة المعتصم أصغر أبناء أشهر الخلفاء الراشدين، وهو هارون الرشيد. قام المعتصم بتكوين جيش خاص به يتألف من المرتزقة الأتراك والعبيد، ثم حولهم إلى ما عرف بالحرس التركي، الذي ساعده على تأمين الخلافة لنفسه في سنة 833.
غير أن هؤلاء المرتزقة انخرطوا في أعمال سلب ونهب اعتباطية جعلت سمعتهم تسوء كثيراً بين المسلمين،
انتهت هذه المعاناة أخيراً في سنة 1258 عندما غزا المغول بغداد وأعدموا آخر الخلفاء العباسيين من خلال لفه في سجادة والدوس عليه بقوائم أحصنتهم.
(فريدريك تاونسند وارد) و”الجيش الذي لا يقهر“:
بينما كانت الحرب الأهلية تتقد في الولايات المتحدة الأمريكية في ستينيات القرن التاسع عشر، كانت حرب أهلية أخرى أكثر دموية تشتعل في الجانب الآخر من الكرة الأرضية في الصين تحديداً: وهي ”انتفاضة التايبينغ“. لقد كانت مزيجا من تمرد الفلاحين والبسطاء واضطراب في أحد المذاهب المسيحية الجديدة، التي قادتها شخصية صينية غريبة، قيل أنه رجل فشل في اجتياز اختبار الالتحاق بصفوف الإداريين والحكوميين في الصين فأصابه انهيار عصبي وعند تعافيه أعلن عن نفسه ”الشقيق الأصغر“ لليسوع.
أسس لنفسه مذهبا وجمع له أتباعاً وأسس ما أسماه مملكة تايبينغ السماوية، وهي دولة مناهضة للحكومة الصينية آنذاك والتي شنت حربا شعواء ابتداء من سنة 1851 إلى غاية سنة 1864 ضد سلالة (كينغ) الحاكمة في الصين. بحلول زمن انهزام التايبينغ في الصين، فقد ما ينوف عن 30 مليون شخص حياته في صراع اعتبر الأكثر دموية في التاريخ إلى أن اندلعت الحرب العالمية الثانية.
في بداية هذه الحرب الأهلية الصينية، كان المتمردون التايبينغ يغيرون بشكل متكرر على جيوش سلالة (كينغ) وينتصرون عليها بسهولة، وعندما اقتربوا من مدينة (شنغهاي) في سنة 1860، استعان المجتمع التجاري والمالي في المدينة بموارده كلها من أجل استئجار الأمريكي (فريديريك تاونسند وارد) من أجل قيادة قوته المرتزقة لحماية المدينة وردع الخطر المحدق بها، فنجح (وارد) وقوة مرتزقته التي أصبحت تعرف باسم ”الجيش الذي لا يقهر“ في قلب طاولة الحرب على التايبينغ.
على الرغم من أن جيشه لم يتعدّ الخمسة آلاف رجل، إلا أن أفراده الذين تلقوا تدريبا جيدا تمكنوا من الإغارة على جيوش التايبينغ الأكبر عددا وعدة والانتصار عليها في عدة معارك، ومنه تمكنوا من تأمين مدينة (شنغهاي). ثم أصبحت قوة الجيش الذي لا يقهر تعمل بمثابة رأس حربة في مقدمة هجمات جيش سلالة (كينغ) الصينية المضادة على معاقل التايبينغ وقواتهم، فساعدت الجيش الإمبراطوري على السيطرة على قلاع التايبينغ وحصونهم على طول نهر (يانغتزي)
الفايكينغ البيزنطيون: الحرس الفارانجي:
في القرن التاسع للميلاد، توغل الفايكينغ السويديون عميقا فيما يعرف اليوم بروسيا وأكرانيا، وبحلول سنة 850 كانوا قد شكلوا بلداتهم وإداراتهم الخاصة في (كييف) و(نوفغورود). انطلاقا من هناك، هيمن الفايكينغ على بلاد (السلاف) المحيطة كطبقة حاكمة من حضارة جديدة أصبحت تعرف باسم (الروس الكييفيون). كان أمراء الروس الكييفيون يستعينون بخدمات المقاتلين القادمين الجدد من البلاد الإسكندنافية، والذين كانوا يعرفون باسم الفارانجيين، وهو مصطلح يعني الغريب الذي ينتمي لخدمة عسكرية أو اتحاد من التجار أو المقاتلين.
بحلول أوائل القرن العاشر ميلادي، كان بعض هؤلاء الفايكينغ الفارانجيين قد توغلوا بعمق أكثر جنوباً، وأبحروا عبر البحر الأسود، وأغاروا على القسطنطينية والأراضي البيزنطية. غير أن بعضهم خدم تحت راية الأباطرة البيزنطيين كمرتزقة أُجراء، وابتداء من سنة 902، بدأت سجلات التاريخ المعاصرة تصف قوة تتألف من حوالي 700 مقاتل فارانجي شاركت في الحملة البيزنطية على (كريت).
في سنة 988، طلب الإمبراطور البيزنطي (باسيل الثاني) المساعدة العسكرية من حليفه الأمير (فلاديمير الأول) أمير (كييف). أرسل الحاكم الروسي 6000 من أكثر مقاتليه طيشاً الذين كان يعاني مشكلة في دفع مستحقاتهم في جميع الأحوال. أحسن الإمبراطور استخدام ما أرسل به إليه الأمير الروسي ضد أعدائه، ثم أعاد تنظيمهم وهيكلتهم إلى ما أصبح يعرف بنواة الحرس الفارانجي. كأجانب، لم يكن للمقاتلين الفايكينغ أية روابط أسرية، ومنه لم تكن لهم أية انتماءات أو ولاء سياسي قد يدخلهم في المنظمات السياسية والجماعات المتكابلة في عالم السياسة البيزنطي، وقد جعلهم هذا أكثر ملائمة لكونهم حراساً شخصيين.
غير أن دورهم لم يتلخص في حرس شخصي للقصر الإمبراطوري فقط، بل رافقوا الإمبراطور في حملاته العسكرية، وشكلوا قوة مشاة الجيش البيزنطي.
المرتزقة السويسريون: نخبة الجنود المشاة الأوروبية:
ابتداء من القرن الرابع عشر إلى القرن السادس عشر، كان تقريباً كل من يستطيع تحمل تكاليف المقاتلين حاملي الرماح السويسريين المرتزقة يستعين بخدماتهم دون تردد. طور المرتزقة السويسريون المشاة سمعة قوية بينما كانوا يدافعون عن حرياتهم ضد لوردات (هابسبرغ) الذين كانوا يحكمونهم، حيث ظلوا يقهرون جيوش أعدائهم التي كانت تتألف من فرسان مدرعين، خاصة في معركتي (مورغارتن) في سنة 1315 ومعركة (لوبين) في سنة 1339.
أمنت معركتا (مورغاتران) و(لوبين) للمرتزقة السويسريين سمعتهم التي راحت تسبق حضورهم بأنهم نخبة المقاتلين الأوروبيين، وما زاد شهرتهم الواسعة انتصاراتهم اللاحقة ضد جيرانهم بينما راحوا يوسعون حدود كونفيدراليتهم السويسرية.
لم يكن المقاتلون في المرتزقة السويسرية يحملون في أنفسهم أية نوايا نبيلة، فلم يكونوا يشعرون بأي حاجة في أسر أي من أعدائهم ثم طلب فدية بعد ذلك، وبدل ذلك كانوا يقتلون كل أعدائهم بدون رحمة ولم يكونوا يطلبون أية هدنة أو تعاطفا كما لم يكونوا يظهرونه.
أصبح الطلب على هؤلاء المقاتلين المشاة كبيراً جداً، ذلك أنهم كانوا يهزمون بشكل روتيني فرساناً ولوردات عتداء وجيوشاً كانوا أسياداً للمعارك والحروب لقرون عديدة، وكان مجرد وجودهم في المعركة يرعب أعداءهم ويقوض معنوياتهم. على سبيل المثال، كان الملوك الفرنسيون يرفضون بشكل قاطع الخوض في حروب أو معارك إلا إذا كان المرتزقة السويسريون إلى جانبهم فيها.
كان السويسريون أكثر من سعداء لعرض خدماتهم كمرتزقة، لكن على خلاف معظم وحدات المرتزقة الأخرى، لم يكونوا يعرضون خدماتهم فرادى، وبدل ذلك كان مؤجروهم المحتملون يتواصلون ويتعاقدون مباشرة مع الحكومات السويسرية المحلية من أجل تأجير خدمات ميليشياتها. كان هذا ما ميّز المقاتلين السويسريين عن بقية وحدات المرتزقة التي كانت تتشكل بشكل أساسي من مجموعة من المغامرين الذين اجتمعوا من خلفيات مختلفة لغرض واحد ثم ينتهي الأمر.
كان المرتزقة السويسريون الذين لا يتم تأجيرهم إلا كوحدات ميليشيات كاملة في الواقع عبارة عن وحدات عسكرية مدربة تدريباً ممتازاً وتمرن أفرادها إلى جانب بعضهم البعض لسنوات، كما كانوا مرتبطين ببعضهم البعض بروابط أسرية، أو كانوا جيراناً لبعضهم أو أصدقاء، وقد منحهم هذا نسقا قوياً كمجموعة متراصة وجعل رؤيتهم يؤدون عملهم في أرض المعركة أمراً يُحتفى به حقاً.