بينما كنت أتصفّح كتاب "عوائق الفهم الصحيح للدين الإسلاميّ "
مررت بقوله تعالى : {يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أقْدامَكُمْ}
أغلقت حينها الكتاب ،
فقد أثارت هذه الآية في نفسي تساؤلاً كبيراً .. و شوقاً عظيماً ..
فأنا أريد أن ينصرني الله ، أريد أن يحبّني الله ،
أريد أن يثبّتني الله ..
و لا أشك أنكم تريدون ذلك مثلي .. بل ربما أكثر مني ..
لكن هناك شرط .. إن حققناه ، فلنبشر بنصر الله ..
و إن فرطنا فيه ، فسنبقى على حالنا الآن ،
بل ربما في حال أسوأ من حالنا !
إنّ الشرط هو : {إنْ تَنْصُرُوا اللهَ } ..
أقف هاهنا وقفة ربّما تطول .. لكنّها تستحق ذلك ..
فالنتيجة ستكون رائعة بل مذهلة ، النتيجة ستكون نصر الله !
تخيّلوا .. نصر الله ..
نصر الله ، ليس مجرد النصر على الأعداء في الحرب !
نصر الله يعني توفيقاً في حياتنا ..
نصر الله يعني بركة في أوقاتنا ..
في أعمالنا .. بل حتى أفكارنا ..
و لا أظن أحدنا يريد التفريط بهكذا نتيجة !
و يبقى السؤال هو " كيف ننصر الله ؟ "
ربّما يقول البعض : " بسيطة .. نطيع الله فننال نصره " !
فأقول له : أحسنت .. و أخطأت !
أحسنت عندما قلت بأنّ طاعة الله سبب نيل نصره ..
و أخطأت عندما ظننت أنّه بسيط !
فلو سألنا مسلماً : "هل تحبّ الإسلام ؟ "
فستستقبل الردّ " بالتأكيد " على الفور ..
و أحياناً تسمع هذا الردّ ممّن لا يعرف من الإسلام سوى
كلمة مسلم المكتوبة في بطاقة الهويّة أو جواز سفره !
فهل بكتابة هذه الكلمة على الأوراق ننال نصر الله !
لا أظن عاقلاً يقول بذلك ..
مشكلتنا الأساسيّة هي أنّ أنفسنا لم تفهم بعد الدين الإسلاميّ
على الوجه الذي يمكنها من العيش به !
فوقعَت في مآزق شتى ..
تارة تجدها واقفة أمام فخّ الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام ،
كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ،
فما تلبث أن تدخل للفخ طواعية ،
فجهلها بأحكام الدين يجعلها دمية يسهل التحكّم بخيوطها
لتكون بطلة مسرحيّة مضحكة مبكية !
و أحياناً .. تتصوّر أنّها بشهادة الجامعة الفلانيّة ملكت عقلاً نيّراً
يمكنها أن تنتقد و تبدي الرأي في أحكام هذا الدين
و تجادل فيها .. و نسيت قول الله – تعالى: إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ
و قال - صلى الله عليه و سلم- : " لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " ،
فحُرمت من الجنة، والسبب التكبّر على أحكام الله –تعالى- .
هذه الأنفس .. تستحسن بعض الأمور أحياناً ..
فتخترع عبادات ما أنزل الله بها من سلطان،
و تقول نفعل ذلك حبّاً لله و رسوله ! ..
و نسيت أنّ الله قد أنزل آية امتحان صدق المحبة لله
و الموجودة في سورة آل عمران ، قال تعالى : قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرلَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
لاحظوا : { اتَّبِعُونِي } و لم يقل اتبعوا فلانا فإنّه رأى رؤيا،
وإنّّه ولي من الأولياء الصالحين !!
لم يقل زوروا قبر فلان فإنّه وسيلة دخولكم جنّات النعيم !!
لقد قال :{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي }
تدّعون أنّكم تحبون الله !
إذن اتبعوا أوامر رسوله- صلّى الله عليه وسلّم -
الذي اختاره ليبلّغ الرسالة إليكم ،
حينها تكونون صادقين في دعواكم المحبة ،
فتنالون محبّة الله و مغفرته.
هل يا ترى نجحت أنفسنا في امتحان صدق المحبّة لله ؟!
و كم أشفق على هذه النفس ..
عندما تبتغي بعلمها أو عملها غير الله تعالى .. قال - صلى الله عليه و سلم - { إن أوّل الناس يقضى يوم القيامة عليه ، رجل استشهد . فأتى به فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت . ولكنك قاتلت لأن يُقال جريء . فقد قيل . ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن . فأتي به . فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن . قال : كذبت ولكنك تعلمت العلم ليُقال عالم . وقرأت القرآن ليُقال هو قارئ . فقد قيل . ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار . ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله . فأتى به فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن يُنفق فيها إلا أنفقت فيها لك . قال : كذبت . ولكنك فعلت ليقال هو جواد . فقد قيل . ثم أُمر به فسُحب على وجهه . ثم أُلقي في النار}
و حتى نُخرج أنفسنا من هذه المآزق ، فالحلّ موجود ،
أخبرنا به ربّنا - عز و جل- ، نقرؤه في كل يوم جمعة
في نهاية سورة الكهف ،
لتكون وصيّة يذكّرنا الله بها كلّ أسبوع ..
قال تعالى : {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه أحداً}
قال العلماء في تفسيرها :
العمل الصالح هو اتباع سنة النبيّ - صلّى الله عليه و سلّم-.
و عدم الشرك هو إخلاص النيّة لله - سبحانه و تعالى-.
فمتى حقّقنا الإخلاص و المتابعة بأوسع معانيها ..
حينها ستتحقّق الأمنية و نرى نصر الله لنا
في كلّ زاوية من حياتنا ..
جعلني الله و إياكم ممّن نصر الله فنصره الله ..
فعاش أطيب و أسعد حياة ..