قبل التعهد الجديد الذي قطعه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، خلال ظهوره على شاشة قناة «cbsnews»، بأنَّ «أي شخص تثبت إدانته في قضية مقتل الإعلامي جمال خاشقجي، سينال جزاءه دون استثناء، وأيًّا كانت وظيفته»، فقد شكل إعلان المملكة الرسمي عن ملابسات الحادثة قبل شهور، وضعًا للنقاط فوق الحروف؛ حيث أصبحت القضية «جنائية- داخلية»، أطرافها مواطنون سعوديون، تورطوا في قتل مواطن سعودي على أرض سعودية (القنصلية السعودي بتركيا).
يأتي هذا فيما تتواصل محاكمة المتهمين في القضية، منذ مطلع شهر يناير الماضي- موعد بدء الجلسة الأولى- أمام المحكمة الجزائية بالرياض؛ حيث توجّه النيابة العامة اتهامات لأحد عشر شخصًا، بحضور هيئة الدفاع عنهم، طبقًا للمادة 4 من نظام الإجراءات الجزائية، وسط تأكيدات من الجهات المعنية في المملكة بأن «العدالة ستأخذ مجراها؛ وأن كل من شارك في ارتكاب الجريمة سينال الجزاء الرادع...».
وشددت النيابة العامة على ضرورة إيقاع الجزاء الشرعي بحق المتهمين- بينهم 5 موقوفين يطالب الادعاء العام بالقصاص منهم لضلوعهم بجريمة القتل- وبعد سماع جميع المتهمين لعريضة الدعوى طلبوا نسخة منها، ومهلة للإجابة على ما ورد فيها من اتهامات، وقد تمّ تمكينهم من المهلة التي طلبوها- حسب المادة 136- من نظام الإجراءات الجزائية، فيما تستمر النيابة العامة في إجراءات التحقيق مع متهمين آخرين على هامش القضية.
وضمن إجراءات القضية أرسلت السعودية مذكرتين (برقم 22031/س، و 22032/س) إلى النيابة العامة التركية، لطلب ما لديهم من أدلة أو قرائن تتعلق بالقضية، ولا تزال النيابة العامة السعودية تنظر ما يرد من أجوبة تركية في هذا الشأن، وفق تأكيدات تضمنها بيان رسمي صادر عن النائب العام السعودي، الشيخ سعود المعجب، فيما أعلنت النيابة العامة السعودية، في وقت سابق، نتائج التحقيقات الأولية مع المتهمين في القضية التى بدأت تفاصيلها، وفق المتحدث باسم النيابة العامة، يوم 29 سبتمبر الماضي.
وبيّنت تفاصيل القضية أنه «صدر أمر نائب رئيس الاستخبارات العامة السابق لقائد المهمة باستعادة المجني عليه بالإقناع، وإلا بالقوة، وكيف قام قائد المهمة بتشكّيَل فريق مكونًا من 15 شخصًا لاحتواء واستعادة خاشقجي، وتقسيم الفريق إلى 3 مجموعات: تفاوضية، استخباراتية، لوجستية، واقترح على نائب رئيس الاستخبارات العامة السابق تكليف زميل سابق له مكلف بالعمل مع مستشار سابق، ليترأس المجموعة التفاوضية؛ لسابق معرفته بخاشقجي...».
ووفق أوراق القضية: تواصل نائب رئيس الاستخبارات السابق مع المستشار السابق ليطلب منه ترؤس مجموعة التفاوض، فوافق المستشار وطلب الاجتماع بقائد المهمة ليطلعهم على معلومات مفيدة بحكم تخصصه الإعلامي، واعتقاده أنّ المجني عليه تلقفته منظمات ودول معادية للمملكة، وأنّ وجوده في الخارج يشكِّل خطرًا على أمن الوطن، وحثّ الفريق على إقناعه بالرجوع، وأن ذلك يمثل نجاحًا كبيرًا للمهمة...».
وأوضحت النيابة خلال أوراق القضية أنّ «قائد المهمة تواصل مع مختص بالأدلة الجنائية بهدف مسح الآثار الحيوية المترتبة من العملية إذا تطلب الأمر إعادته بالقوة، وتمّ ذلك بشكل فردي دون علم مرجع المختص المشار إليه، كما تواصل مع متعاون في تركيا لتجهيز مكان آمن إذا تطلب الأمر إعادته بالقوة، وأن رئيس مجموعة التفاوض تبيَّن له، بعد اطلاعه على الوضع داخل القنصلية، تعذُّر نقل خاشقجي إلى مكان آمن في حال فشل التفاوض معه، فقرّر أن يكون التعامل معه وقتها بقتله، وهو ما انتهت إليه الواقعة».
ونبهت النيابة العامة إلى أن «التحقيقات توصلت إلى أن أسلوب الجريمة كان العراك والشجار مع خاشقجي، فتم تقييده وحقنه بإبرة مخدرة بجرعة كبيرة أدت إلى وفاته، وأن الآمر والمباشرين لعملية القتل 5 أشخاص، وقد اعترفوا بذلك وتطابقت أقوالهم»، وحول مصير الجثة، قالت النيابة: إنه «بعد مقتل المجني عليه، تمت تجزئة الجثة من قبل المباشرين للقتل، ونقلها إلى خارج مبنى القنصلية، وأن من أخرجوها من القنصلية عددهم 5 أشخاص...».
وبحسب النيابة فإنه «تم التوصل إلى أن من سلم الجثة إلى المتعاون المشار إليه شخص واحد، كما تم التوصل إلى صورة تشبيهية للمتعاون الذي سلمت له الجثة، بناءً على وصف من قام بالتسليم، وكذلك تم التوصل إلى أن من لبس ملابس المجني عليه وألقاها بعد خروجه في إحدى الحاويات -ومنها ساعته ونظارته- رافقه شخصان».
وتم التوصل بحسب النيابة إلى أن «الكاميرات الأمنية في مبنى القنصلية تم تعطيلها، وتم التوصل إلى من قام بتعطيلها، وأن الدعم اللوجيستي لمنفذي الجريمة قام به 4 أشخاص، وأنه تم التوصل إلى أن قائد المهمة اتفق مع مجموعة التفاوض ورئيسهم -الذين قرروا وباشروا القتل- تقديم تقرير كاذب إلى نائب رئيس الاستخبارات العامة السابق يتضمن الإفادة بخروج المواطن المجني عليه من مقر القنصلية بعد فشل عملية التفاوض أو إعادته بالقوة».
وأوضحت أن «أسماء الموقوفين ستعلن بعد انتهاء التحقيقات، مشيرة إلى أنه تم الطلب من الأشقاء في تركيا، تزويد المملكة بنسخة من محتويات هاتف خاشقجي، والتسجيلات الإلكترونية المحيطة، وشهادة الشهود، وأن النيابة لا تعلق على تسريبات وشائعات تحاول تسييس القضية».
وبعد ساعات من إعلان النيابة العامة نتائج التحقيقات في القضية، أعلنت أسرة خاشقجي بدء تلقي العزاء- 15 نوفمبر- وكتب نجله «صلاح»: «إنا لله وإنا إليه راجعون.. سيقام عزاء الفقيد جمال خاشقجي من الجمعة إلى الأحد في منزله بمدينة جدة.. اللهم تغمّده برحمتك وألهمنا الصبر في مصابنا...».
وطلب دفن الجثة بالبقيع قائلًا: «الأسرة ترغب في دفن والدي بمقبرة البقيع في المدينة المنورة...»، بينما أدت جموع المصلين في اليوم التالي صلاة الغائب على جمال خاشقجي بالمسجد الحرام بمكة المكرمة عقب صلاة الجمعة، سبقها أداء صلاة الغائب عليه في المسجد النبوي بالمدينة المنورة، قبلها بساعات.
وكان رئيس هيئة حقوق الإنسان السعودية، قد شدد في كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على أن «السلطات المعنية اتخذت الإجراءات اللازمة في قضية المواطن جمال خاشقجي، وأن القضاء عقد ثلاث جلسات في القضية حتى الآن».
وأوضح أن «المملكة تعاملت مع التوصيات المقدمة بشأن قضية خاشقجي، بإيجابية؛ لقناعتها بجسامة وبشاعة هذا الحدث المؤسف والمؤلم، وسلامة الإجراءات التي اتخذتها حيال هذه القضية...»، وأن «كلًا من النيابة العامة، وهيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وغيرها من الجهات ذوات العلاقة، تقوم بدورها في ملف القضية...».