ليس الإِحسانُ أن تُحسن إلى من أَحسن إليك،
فتلك مكافأةٌ وجَزاء، ولكنّ الإحسان أن تُحسن
إلى من أساء إليك، فتِلك مكرُمة وعَطاء، والله
تعالى يقول: {ولا تَسْتوي الحَسَنةُ ولا السَّيِّئةُ
اْدْفَعْ بالتي هي أَحْسَنُ} (فصلت:34).
إن الله تعالى تعبَّد المؤمن بأن يَدْفَع إساءة من
آذاه بالإحسان إليه، وبالصَّبر عند الغضب،
والحِلم عند الجهل، وبالوصل عند الخطيئة،
والعَفْو عند الإساءة!.
فإذا بلغ هذه المنزلةَ الرَّفيعة من كريم الأخلاق،
وعظيم الصفات.. عَصَمه الله تعالى من
الشّيطان، وخَضَع له عدوُّه فبات كأنَّه وليٌّ
حميم.
وتلك سجيّة لا يسلُك مسالكَها ولا يأخذ بأسبابها
إلا أهلُ الصَّبر على المكاره، المتطلِّعون إلى
العُلا، الطامعون في الدرجات العُلى.
إن هؤلاء الكرام أدركوا أنه لا تستوي الحسَنة
ولا السَّيِّئة، كما لا يستوي الليل والنهار، ولا
الظلمات والنّور، ولا الظِلُّ والحَرور.
وكما أن الحقَّ يدفعُ الباطلَ فإذا هو زاهق،
فكذلك الخيرُ يغلب الشرَّ فإذا هو هالِك.
إن الخير وحده هو الذي يُطفئُ الشرّ، كما أن
الماء هو الذي يُطفئ النار، وصدق رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «اتَّقِ الله حيثما
كنت، وأَتْبِعِ السَّيِّئة الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناس
بخُلقٍ حَسَن» رواه الترمذي.
إذا تأمَّلْنا في آيات القرآن الكريم لنُحكِّمه في
حياتنا، وفي أخلاقنا وسلوكنا مع إخواننا، ومع
سائر المؤمنين.. وجدنا أن الآيات البيِّنات تصف
المؤمنين المتَّقين الذين أُعِدَّت لهم الجَنَّات بأنهم
يَكْظِمون الغيظ ويعفون عن الناس. وفي ذلك
يقول الله عزّ وجل: {وسارِعوا إلى مَغْفرةٍ من
ربِّكم وجَنَّةٍ عَرْضُها السَّمواتُ والأرضُ أُعِدَّت
لِلمتَّقين. الذين يُنْفقونَ في السَّرَّاءِ والضرَّاءِ
والكاظِمينَ الغَيْظَ والعافينَ عَن النّاسِ واللهُ يُحبّ
المُحسِنين} (آل عمران: 133-134).
إن من الصفات الخُلقية للمتقين أنهم رُحماء، إذا
ظُلِموا من إخوانهم كَظموا غيظَهم وعَفَوْا عَمّن
أساء إليهم مستجيبين لقول ربّ العالمين:
{وَلْيَعْفُوا ولْيَصْفَحوا ألا تُحِبّون أن يَغْفِرَ الله لكم
واللهُ غفورٌ رحيمٌ} (النور: 22).
ولقد نزلت هذه الآية بمناسبة حَلِف أبي بكر
الصدّيق رضي الله عنه ألا يُنفق على مِسْطَح بنِ
أَثاثَة إذ قال في ذلك: «واللهِ لا أُنفق على مِسْطح
شيئاً أبداً، ولا أنفعه بنفع أبداً!» وذلك لأن
«مسطح» كان من الذين افتروا في إشاعة خَبر
الإِفْك في حقّ السّيدة عائشة رضي الله عنها!
وكان الصدّيق يُحسن إليه ويُنفق عليه لقرابته
وحاجته، فنزل قول الله تعالى: {ولا يَأْتَلِ أولو
الفَضْلِ منكم والسَّعَةِ أن يُؤْتوا أولي القُرْبى
والمساكينَ والمُهاجرينَ في سبيلِ اللهِ وَلْيَعْفوا
ولْيَصْفَحوا أَلا تُحِبّون أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُم} (النور:
22).
إن الإساءة الشخصية لا يصحّ أن تمنع من فعل
الخير مع المسيء، لأن فعل الخير إنما يُبْتَغى به
وجهُ الله عزّ وجل ومرضاتُه.. وإن كان ذلك
الخلق الرضيّ والعَمل النّقيّ لا يندفع لفعله إلا
قليل ممّن رحم الله واصطفى!.
إن الدعاة إلى الله لا يستحقون رتبة الاصطفاء
إلا إذا رضوا بأن يكونوا من الكاظمين الغيظ
والعافين عن الناس! وأثبتوا في سيرتهم
وسلوكهم أنهم من أهل هذه الآية الكريمة: {وإِنْ
تَعفوا وتَصْفَحوا وتَغْفِروا فإنّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ}
(التغابن: 14).
إن لنا يا دعاةَ الإسلام سيّئاتٍ كثيرة نرتكبها في
جنب الله تعالى، فلا نتورَّع عن التمادي في
معصية ربّ العالمين في كل آنٍ وحين، والله
تعالى يُمْهلنا ويرحمنا، ويغمرُنا بنعمهِ..
فلا يعظمْ في نفوسنا أن نتلقّى الإِساءة ممن
نُحسن إليهم بالإنفاق وبحسن التقرّب والتّلاقي،
فنحن نفعل مثل ذلك في حقّ المحسن الخلاّق!.
,QHQpXsAk ;Qlh HQpXsQkQ hggiE YAgd; hggiE YAgd; ,QHQpXsAk