08-19-2019, 08:57 AM
|
|
|
|
مقارنة الغيبيات بين اليهود والنصارى
مقارنة الغيبيات بين اليهود والنصارى
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كلما وحد الله موحد، ودعا إليه داع، وعلى أصحابه وعلى من اقتفى بأثره، واتبع منهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن من أعظم النعم التي وهبنا الله إياها هي الإسلام، فقد جعل لحياتنا غاية نسمو إليها، وحرَّرنا من عبودية الأوثان والخرافات، وجعل لنا كتابًا وسنة ما إن تمسكنا بها لن نضل بعده أبدًا، فقد بيَّن الله لنا في كتابه العظيم ضلال أهل الكتاب في إيمانهم بالله، وافتراءاتهم عليه، وقولهم على الله غير الحق، وخلطهم الرسالات السماوية بكلام البشر، حتى امتلأت بالتناقضات وانحرفت عن الصواب، ولا يخفى علينا قول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [هود: 118]، فاختلاف اليهود والنصارى جلي وظاهر، ولكن اتفاقهم قد لا يبدو كذلك، كان هناك بعض التساؤلات تثير الاهتمام في هذا الموضوع ومنها، كيف هي نظرة أديان اليهود والنصارى للإله والملائكة؟ وهل تصورهم لليوم الآخر كما هو موجود لدينا بنصوصنا الشرعية؟
مقارنة الغيبيات بين اليهود النصارى:
المطلب الأول: التصور حول الإله
المطلب الثاني: الملائكة
المطلب الثالث: اليوم الآخر
المطلب الأول: التصور حول الإله:
كما نعلم أن التوحيد لله وإفراده بالعبادة كانت سمة الدين السماوي، وهو الإسلام الذي أرسل به جميع الأنبياء، ولكن ما طرأ على هذه الأديان من التبديل والتحريف أخرجتها عن المبدأ الذي كانت تهدف إليه، وبذلك سارت إلى تعدد الآلهة وصرف بعض العبادات لغير الله، ونظرًا لإتباع النصارى للعهد القديم الذي كان مؤلفيه من اليهود، أصبح هناك نقاط اتفاق بينهم، وبذلك سأعرض التصور حول الإله عند اليهود وعند النصارى، ومن ثم نقاط الاتفاق بينهم.
الإله عند اليهود:
لم يستقر بنو إسرائيل على عبادة الله وحده، وكانت نظرتهم للإله التعدد والنفعية كما وثقه التاريخ في جميع مراحل تاريخ بني إسرائيل، ولذلك كان تعدد الأنبياء لبني اسرائيل لتجدد الشرك فيهم[1].
اعتقد اليهود قديمًا في عهد موسى عليه السلام بوحدانية الله، وأنه خالق السماوات والأرض، وأنه رب العالمين، ولكن لم يثبتوا على هذا الاعتقاد، بل انحرفوا عن العقيدة الصحيحة إلى التعدد والتجسيم للإله،كما ذكر القرآن بعض الشركيات التي وقعوا فيها؛ منها: عبادة العجل، وعبادة تمثال يهوه، وتمثال بعل إله الكنعانيين، فقد كانت عبادة الأوثان تتجدد في نفوسهم مع وجود الأنبياء بينهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾[الأعراف: 138].
فلم تكن الألوهية ثابته الجذور في نفوس بني إسرائيل، فقد كانت النزعة المادية تتحكم في فكرهم وأكثر إيمانًا بها، فقد كان إيمان اليهود قائمًا على الشرك، وقالوا: إنه إله لبني إسرائيل، وليس إلهًا لغيرهم، مع اعترافهم أيضًا بوجود آلهة غيره لغيرهم[2]
ونلخص تصور الإله عند اليهود بما يلي:
• الشرك مع الله بتعدد الآلهة، مثل ما عبدوا العجل، وآلهة الكنعانيين.
• وصف الله بصفات الانتقاص فقد قالوا أنه استراح في اليوم السابع، بعد خلق السماوات والأرض، ولقد رد الله عليهم هذا البهتان: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [ق: 38]، ولقد وصفوا الله أيضًا بالبكاء والندم والغضب، وأنه يقوم بمذاكرة التلمود، تعالى الله علوًّا كبيرًا[3].
• صور اليهود إلههم في صورة مجسمة، كما صوَّروه بصورة لا تختلف عن البشر، وأنه كان يتحدث مع موسى عليه السلام، فمًا لفم وعيانًا، وأنه كان يتقمص الصورة البشرية، ويتحدث في صورة أشخاص[4].
• نسبة الابن لله تعالى الله عن ذلك[5]؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30].
• زعم اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 18].
الإله عند النصارى:
إن اعتناق النصرانية ينحصر في ثلاثة عناصر هي:
• التثليث ألوهية المسيح ورح القدس.
• تجسد الابن في صورة البشر، ليصلب تكفيرًا عن خطيئة آدم.
• الإله الآب والابن: فالإله الأب قد ترك للابن محاسبة الناس على خطاياهم؛ لأنه عند ظهوره بمظهر البشرية كان أقرب لفَهم البشر[6].
ولقد تقرر التثليث عند النصارى كما ذكرنا سابقًا، ولكنهم اختلفوا في أمور فرعية فيما بينهم، وأعطيت كل طائفة نفسها لقبًا مختلفًا عن الأخرى، ولقد كان منشأ الخلاف في طبيعة المسيح، هل طبيعته واحدة بأنه إله، أم أن له طبيعتين طبيعة إلهية، وطبيعة إنسية؟ وقد أخذ بأن له طبيعة واحدة، ثلاث كنائس صغيرة وهي التي تدعى الأرثوذكسية، وأخذت بالمذهب الآخر بأن له طبيعتين، طبيعة إلهية وإنسية جميع الكنائس الأخرى، ولقد حسم ذلك الأمر في مجمع خليكدونية ٤٥١م[7]
ولقد حاول النصارى الجمع بين التوحيد والتثليث بحكم إيمانهم بالكتاب المقدس في العهد القديم، وهو يصرح بالتوحيد، ويدعو إليه، وينهى عن الشرك، وإلى البراءة من المشركين، فبذلك حاولوا أيضًا أن يستخرجوا من كتاب العهد القديم ما يشير إلى التثليث؛ كعبارة كلمة الله، أو روح القدس[8].
وكما ذكرنا في الآية السابقة عن اليهود والنصارى أنهم يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه، ولأن النصارى متبعون للعهد القديم، فقد صور لهم أن الله جلا وعلا قد تجسد في صورة البشر عند تكليم موسى عليه السلام، ويتسنى لنا بعد عرض عقيدة اليهود والنصارى في الإله أن اليهود والنصارى قامت ديانتهم على الشرك، والتعددية، والبنوة للإله، وتجسد الإله في صورة البشر.
المطلب الثاني: الملائكة:
الملائكة نصَّت عليها جميع الكتب السماوية، وهي حقيقة تؤمن بها جميع الديانات السماوية، لذلك ذكر خبر الملائكة في العهد القديم والجديد، وتعد من الأمور الغيبية التي يؤمن بها اليهود والنصارى كما نصت بها كتبهم، وبذلك سأقوم بعرض مفهوم الملائكة، وعلاقتهم بالبشر، ووظائفهم عند اليهود والنصارى.
تعريف الملائكة عند اليهود:
تذكر كتب اليهود أن أصل الكلمة في العبرانية واليونانية المترجمة لمعنى ملاك يراد بها رسول، ويعبر عن معناها بمدلولها، فهي تدل على الرسول والمعلن والمنبئ[9].
ولقد عرف رشاد شامي في كتابه (المصطلحات الدينية اليهودية) معنى ملاك عند اليهود بقوله: "تشير كلمة ملاك إلى معنى مبعوث، وقد وردت في العهد القديم بمعنى الإنسان المكلف بمهمة أو مبعوث، ويطلق على النبي باعتباره مبعوث الرب، ويطلق في الغالب على أنه مبعوث الرب".[10]
والملائكة هي صيغة جمع عربية لكلمة "ملاك" التي تقابلها "ملاك" العبرية، ومعناها مرسل لأداء مهمة أو بعثة، والملائكة رمز للغيب وتعبير عن قدرة الإله المطلقة التي تتجاوز قدرات البشر وإدراكهم[11].
صفات الملائكة عند اليهود:
ذُكرت الملائكة في أسفار العهد القديم بأنهم يظهرون في صورة البشرية لتخاطب الصالحين، وترشدهم إلى الطريق المستقيم، وكما أن الصالحين عندهم يستطيعون رؤية الملائكة في طبيعتهم النورانية، ويعتبرون اليهود الملائكة أنهم مخلوقات علوية، وهم أبناء الله، ويتعاملون مع عباد الله الذين اصطفاهم كالرسل والأنبياء بتعليمهم وهدايتهم، كما أنهم غالبًا يظهرون في صورة رجال[12]، والملائكة عندهم يؤلفون جنسًا خاصًّا، ولا يتناسلون بعضهم من بعض كما هو حال البشر، ومع أن للملائكة أجسادًا أثيرية، وغير قابلة للفساد والموت وهم مخلدون ولا يتزوَّجون[13].
وتتلخص أعمالهم عند اليهود فيما يلي:
التسبيح والتمجيد لله، ورفع الصلوات، وإنزال المطر، وحماية الأجنة في بطون أمهاتهم، وينقسمون إلى ملائكة الخير وهم الذين يسكنون بقرب الرب[14].
ولقد كثُرت الاعتقادات حول عقيدة الملائكة عند اليهود، وذلك لسبب تأثرهم بالثقافة الفرعونية والبابلية، فبدأت مرحلة التجسيد، والإيمان بالملائكة داخل الإطار الحلولي، والذي يعتبر الآن من عقائد اليهود الأساسية التي ذكرت في التلمود، وتعمقوا في الاهتمام به مع ظهور التراث القبالي، وتضم الكتب القبالية كثير من أسماء الملائكة، ولقد استخدمت في إعداد التمائم والتعاويذ، وأصبح مفهوم الملائكة قوى مستلقة عن الذات الإلهية؛ أي: إنها أصبحت آلهة صغيرة لها إرادة مستقلة، ولذلك اتَّهم اليهود بأنهم عبدوا الملائكة[15]
مفهوم الملائكة لغة عند النصارى:
تترجم كلمة ملاك عن الكلمة اليونانية (أجلوس)، ومعناها رسول، وفي الكتاب المقدس، أُضيف له معنى لغوي آخر: "وهي أن معنى كلمة ملاك تشير إلى أرواح خادمة مرسلة للخدمة"[16].
وعرفت لغة: أنها كلمة ملاك في الكتاب المقدس تشير إلى أرواح خادمة مرسلة للخدمة[17].
وعرفت أيضًا بأنها كلمة ملاك بمعنى واحد في اليونانية والعبرية والعربية، وهو رسول، وأطلقت في الكتاب المقدسلكل ما ينفذ أوامر الله، لإعلان ذاته وقوته، فجاءت فيه بمعنى الرسول[18].
مفهوم الملائكة اصطلاحًا عند النصارى:
كائنات روحية تمثل خلق الله الروحي غير المنظور، وقد خلقوا قبل العالم، وهم جنس خاص لا يتناسلون، ومكان إقامتهم غير محسوس، وغير مادي، بل هو عقلي.
أوصاف الملائكة عند النصارى:
يمجدون الله ويسبحونه، أجسادهم أثيرية غير قابلة للفساد أو الموت، وهي كائنات محدودة، بمعنى إذا وجدوا في مكان ما، لا يكونون في مكان آخر، ولهم إرادة حرة، وكما نص العهد الجديد قصة جبريل عليه السلام مع مريم، عندما تمثل لها بصورة بشر يبشرها بمولد عيسى عليه السلام، ولهم علم محدود بمشيئة الله، ومع اختلاف النصارى في العقائد الفرعية، فإنهم لا يكادون يختلفون في مفهوم الملائكة لديهم، فقد اتفقت كتب النصارى مع اختلاف كنائسهم عن حقيقة الملائكة بأنهم أرواح خادمة، ولهم قدرات عالية تفوق البشر،وأنهم خالدون لا يتناسلون، وأعدادهم لا تُحصى[19].
وأما عن الإيمان بهم فقد تحدثت الموسوعة الكاثوليكية بأنه يجب الإيمان بالملائكة، ولهم طبيعة روحانية نورانية[20].
ومن أعمال الملائكة عند النصارى:
طاعة الله، وخدمة الناس خاصةً المؤمنين بالمسيح، وأن هناك ملكًا لحراسة كل شخص، ولا يتزوجون، وهم مخلدون، وهم أبناء الله الأحباء، وهم في عبادة دائمة، كما أنهم يقومون برعاية الأنبياء والمرسلين، ويظهرون للأنبياء الصالحين بطبيعتهم النورانية، وأما عن أعمالهم يوم القيامة أنهم يفصلون الأبرار عن الأشرار، ويسوقون الأشرار إلى جهنم[21].
وتعتبر الملائكة جزءًا مهمًّا في العقيدة النصرانية، وتشكل دورًا رئيسًا في حياة المسيح عليه السلام، وهي جزء أساس في عقيدة التثليث لديهم، ولا تكاد النصارى تختلف عن مفهوم اليهود للملائكة؛ لأن النصارى يؤمنون بالعهد القديم، فقد اتفق اليهود والنصارى على الإيمان بالملائكة، وعلى حقيقتهم النورانية، وأنهم لا يتناسلون، ويظهرون في صورة البشر، وأنهم أبناء الله تعالى الله عن ذلك، وأنهم رسل يقومون بإيصال رسالة الله للأنبياء، ويسبحون الله ويمجِّدونه، إلا أن هناك فرقة يهودية تأثرت بالقبالة الذي اتهموا بعبادة الملائكة، وكما أن النصرانية أيضًا تضل في نوع خاص وهو ما يسمى "بروح القدس"، فترفعه إلى مقام الألوهية، وهو الأقنوم الثالث من الأقانيم.
المطلب الثالث: اليوم الآخر:
اليوم الآخر موجود في كل الديانات السماوية، ولا تتم عقيدة إلا بالإيمان باليوم الآخر، والنصوص القرآنية تدل على ذكر اليوم الآخر في الكتب المقدسة التي سبقت القرآن الكريم، فعدم ذكرها في الكتب، أو قلة ذكرها إنما يدل على التحريف وكتمان الحق، وقد نص القرآن على ذلك.
اليوم الآخر لدى اليهود:
وُجِد في أسفار العهد القديم ما يشير إلى يوم القيامة، وبعث الأموات والثواب والعقاب، إلا أنها لم تكن واضحة، وسبب قلة ذكر اليهود لليوم الآخر[22]، هي أن ديانتهم لا تعني بالإيمان والاعتقاد، فهي ديانة تهتم بالأعمال كما قال أحمد شلبي[23].
"لم يفكر اليهود إلى مفهوم الغيبيات إلا بعد السبي البابلي، ومن بعد التشتت في الأرض، فأخذ تفكيرهم في اليوم الآخر اتجاهين: أنه الخلاص على يد المسيح عندهم، ونهاية العالم "[24]
الإيمان بالبعث والجزاء لدى اليهود:
إن علماء اليهود قد صرحوا بالإيمان بالبعث واليوم الآخر؛ يقول سعديا الفيومي: "إن إحياء الموتى الذي عرفنا ربنا أنه يكون في دار الآخرة للمجازاة، فذلك مما أمتنا مجمعة عليه".
فهذا نص واضح يبين إجماع اليهود على البعث والحساب، ولكن هناك من الفرق اليهودية التي تنكر البعث، وهم فرقة الصدوقيون.
وهناك قول أيضًا لموسى بن ميمون: "أنا أؤمن إيمانًا كاملًا بقيامة الموتى في الوقت الذي تنبعث فيه إرادة الخالق"[25].
وبعض الفرق تقول بأن بعث الأموات يكون مرتين:
الأولى: في زمن المسيح المنتظر عندهم، وهو مختص بالصالحين، وهي معجزة للمسيح، وكرامة للصالحين.
الثانية: البعث في القيامة العامة لكافة الناس من أهل الخير والشر، للعقاب والثواب الأبدي[26].
وهذه النصوص تتفق على قيامة الموتى، واليهود في عهد الرسول صلى الله علية وسلم كانوا يقرون باليوم الآخر؛ كما ثبت في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ يهوديًَّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قرأ:﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [الأنعام: 91]"[27].
الجنة والنار:
أما الحديث عن الجنة والنار، فقد قال الدكتور سامي القليطي: "ورد ذكر الجنة إشارة إلى أنه مكان الصالحين، وورد ذكر النار أيضًا، وهو مكان مخالفيهم، وما يفهم من أسفار العهد القيم أنها تكون في الدنيا، ولقد ذهب كثير من الباحثين أن المقصود في الثواب والعقاب عند اليهود أنه يتم في الدنيا، مثل الدكتور علي عبدالواحد، والدكتور كامل سعفان، والدكتور سعود الخلف"[28]
ومن ادعاءات اليهود أن الجنة محصورة لهم، فلا يدخلها غيرهم، وأن النار جزاء الكافرين المخالفين لهم؛ كما قال تعالى:﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾[البقرة: 111][29].
المسيح المخلص عند اليهود:
يدعى المسيح المخلص عند اليهود، وبالعربية المسيح، وهو الممسوح بالزيت، ثم تطور هذا المعنى عند اليهود، فأصبح بعد السبي البابلي يُعنى به المهدي المنتظر، وهو من يحرر اليهود من العبودية من مضطهديهم، ويعيدهم من المنفى، ويحكم بالشريعة اليهودية، ويحكم بالعدل، وكان سبب ذلك هو الحالة السياسية والاجتماعية التي جعلت هذا المعنى يكون سببًا لأملٍ جديد ترتفع به مكانتهم[30].
اليوم الآخر عند النصارى:
اهتم النصارى بعقيدة اليوم الآخر خلافًا لليهود؛ لأن النصارى عنت بالعقائد أكثر من الأعمال، بعكس اليهود كما ذكرنا سابقًا أنهم يهتمون بالأعمال دون الاعتقاد، يسمي النصارى اليوم الآخر "بالإسخاتولجيا"، وهي مركبة من كلمتين يونانيتين، معناهما: "الكلام في الآخرة؛ أي: الأمور المختصة بمستقبل النفس ونهاية العالم، ومجيء المسيح الآخر والدينونة، ونصيب الأبرار السماوي، وقصاص الأشرار الأبدي"[31].
الإيمان بالبعث والحساب عند النصارى:
يعتقد النصارى بالحساب لكل البشر، ويطلقون على موقف البشر للحساب والجزاء مسمى الدينونة، وبمطلق الحكم يدخل الأبرار في ملكوت المسيح، ويذهب الأشرار في الظلمة واليأس الأبدي، كما أنهم اعتقدوا من يحاسبهم أنه المسيح، وهو المعين من الله ديانًا للبشر جميعًا، ويمنح الطائعين الجنة والمخالفين النار[32].
الجنة والنار عند النصارى:
لقد جاءت عقيدة النصارى في النعيم والعذاب واضحة، فالديانة النصرانية تميل إلى الزهد والانقطاع عن الدنيا، والعمل للآخرة، فقد جاءت نصوص الكتاب المقدس بإشارات واضحة للجزاء والحساب، والنعيم والعذاب[33]، ويعتقد النصارى بأن الجنة مكان للثواب والنعيم، ومقرها في السماء، وهي دار الطائعين، وجهنم هي مكان العذاب، وهي مكان المخالفين الكفار، كما أن النصارى تعتقد بأبدية الجنة والنار[34].
ولقد زعم النصارى أن الجنة محصورة لهم؛ مما يتضح أنه أخذ هذا التصور من اليهود، فلا يدخلها غيرهم، وأن النار جزاء الكافرين المخالفين لهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111].
المسيح المخلص لدى النصارى:
إن فكرة المسيح المخلص عند النصارى أخذت من اليهود، ولكن أسندوها إلى عيسى عليه السلام، فأوصاف المسيح المخلص عند النصارى، هو أنه متواضع وفقير، وليس له مملكة في الدنيا، وسيكون ناسخًا لشريعة موسى عليه السلام، وستكون شريعته عالمية، ويكون منقذًا للنصارى فقط[35].
مما تعرضنا له في عقيدة اليوم الآخر لأهل الكتاب: أنهم جميعًا آمنوا باليوم الآخر، ولكن مما يختلف فيه أن اعتقاد اليهود بأنه سيكون في الدنيا، ويكون الحساب من الرب، بخلاف النصارى عندما يسمون ذلك اليوم بالدينونة، ومحاسبهم آنذاك هو المسيح، وقد علمنا التشابه في مسمى المسيح عند اليهود والنصارى، بخلاف شخصية المسيح في كلتا الحالتين، واتفقوا على حقيقة الجنة أنها للطائعين والنار للمخالفين الكفار بما يسمونهم الأشرار.
[1] مقارنة الأديان اليهودية، أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط 8، 1988م، ص 173.
[2] الديانات والعقائد في مختلف العصور، أحمد عبدالغفور، مكتبة المهتدين، مكة، ط1، 1401هـ-1981م، 3/250.
[3] الإسلام والأديان دراسة مقارنة، ص 167.
[4] المرجع السابق، 167.
[5] رسائل في الأديان والفرق والمذاهب، ص 91.
[6] الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، ص109.
[7] المرجع السابق، ص109.
[8] المرجع السابق، ص 125.
[9] الملائكة والجن: "دراسة مقارنة في الديانات السماوية الثلاث"؛ مي حسن محمد المدهون، نهضة مصر، ط1،١٤٢٩هـ -١٤٣٠ه، ص19.
[10] المصطلحات الدينية اليهودية، رشاد شامي، الكتب المصري للتوزيع، مصر، ط1، ٢٠٠٣م، ص 121.
[11] موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، عبد الوهاب المسيري، دار الشرق، مصر، ط١، 2003م، ص 103.
[12] دراسة في الأديان الوحي والملائكة في اليهودية والمسيحية والإسلام، أحمد بن عبدالوهاب مكتبة وهبة القاهرة، ط1 ،1399هـ-1979م، ص20.
[13] الملائكة والجن: "دراسة مقارنة في الديانات السماوية الثلاث"، ص21.
[14] المرجع السابق، ص24.
[15] المرجع السابق، ص30.
[16] المرجع السابق، ص 171.
[17] قاموس الكتاب المقدس، دار النهضة القاهرة، ط1، 1987م، ص 57.
[18] الملائكة والجن دراسة مقارنة في الديانات السماوية الثلاث، ص 74.
[19] المرجع السابق، ص 178.
[20] المرجع السابق، ص 172.
[21] دراسة في الأديان الوحي والملائكة في اليهودية والمسيحية والإسلام، ص22.
[22] النعيم والعذاب في الآخرة عند أهل الكتاب، سامي بن علي القليطي، مجلة جامعة طيبة للآداب والعلوم الإنسانية، ط٣، ١٣٣٥هـ، ص٢٧-٢٩.
[23] المصدر السابق ص 32.
[24] يوم القيامة بين اليهودية والمسيحية والإسلام، دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة، ط١، ١٩٩١م-١٤١١هـ، ص54.
[25] المصدر السابق ص55.
[26] العقائد المشتركة بين اليهود والنصارى وموقف الإسلام منها، ص 256.
[27] صحيح البخاري ٧٤١٤، ابن خزيمة، التوحيد 1/181، صحيح الترمذي ٣٢٣٨، صحيح مسلم ٢٧٨٦.
[28] النعيم والعذاب في الآخرة عند أهل الكتاب ص 158.
[29] سورة البقرة آية 111.
[30] المسيح المنتظر في المصادر اليهودية والمسيحية، نقله عن العبرية نبيل أنسى الغندور، مكتبة النافذة، الجيزة، ط1، ٢٠٠٧م، ص 17.
[31] يوم القيامة بين الإسلام والمسيحية واليهودية، ص53.
[32] النعيم والعذاب في الآخرة عند أهل الكتاب، ص270.
[33] المرجع السابق، ص209.
[34] المرجع السابق، ص 221.
[35] المسيح المنتظر في المصادر اليهودية والمسيحية، ص150.
lrhvkm hgydfdhj fdk hgdi,] ,hgkwhvn hg[ikd hgydfdhj
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
5 أعضاء قالوا شكراً لـ شموع الحب على المشاركة المفيدة:
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 01:49 AM
|