إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له
والحمد لله كما ينبغى لجلال وجهه الكريم ولعظيم سلطانه
والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة
والحمد لله ملؤ السماوات وملؤ الأرض وملؤ ما بينهما
الذى هدانا لنعمة الإسلام وما كنا لنهتدى
لولا أن هدانا الله
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمداً رسول الله النبى المختار والنعمة المهداه
الذى بلغ الرسالة وأدى الأمانه عليه أفضل صلاة
وأزكى سلام وعلى آله الأطهار وصحبه الأخيار
وعلى كل من والاه إلى يوم الدين .
الحمد لله كما أمر والشكر له
فقد تأذن بالزيادة لمن شكر.
سادس هذه الأسباب :
الصحبة الصالحة :
يقول الله تعالى :
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ
عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾
[الكهف: 28].
يأمر تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم
وغيره أسوته في الأوامر والنواهي
أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِي ﴾
أي : أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله
فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها
ففيها الأمر بصحبة الأخيارومجاهدة النفس
على صحبتهم ومخالطتهم وإن كانوا فقراء
فإن في صحبتهم من الفوائد ما لا يُحصى.
وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾
أي : لا تجاوزهم بصرك وترفع عنهم نظرك.
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
فإن هذا ضار غير نافع وقاطع عن المصالح الدينية
فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا
فتصيرالأفكاروالهواجس فيها وتزول من القلب الرغبة في الآخرة
فإن زينة الدنيا تروق للناظروتسحرالعقل
فيغفل القلب عن ذكر الله ويقبل على اللذات والشهوات
فيضيع وقته وينفرط أمره فيخسرالخسارة الأبدية
والندامة السرمدية
ولهذا قال تعالى :
وَلَاتُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾
غفل عن الله فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾
أي : صار تبعًا لهواه؛ حيث ما اشتهت نفسه فعله
وسعى في إدراكه ولو كان فيه هلاكه وخسرانه
فهو قد اتخذ إلهه هواه
كما قال تعالى :
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ
عَلَى عِلْمٍ ﴾
[الجاثية : 23].
﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ ﴾
أي : مصالح دينه ودنياه
﴿ فُرُطًا ﴾
أي : ضائعة معطلة، فهذا قد نهى الله عن طاعته
لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به
ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به
ودلت الآية على أن الذي ينبغي أن يطاع
ويكون إمامًا للناس مَن امتلأ قلبه بمحبة الله
وفاض ذلك على لسانه فلهج بذكر الله
واتَّبع مراضي ربه فقدمها على هواه
فحفظ بذلك ما حفظ من وقته وصلحت أحواله
واستقامت أفعاله ودعا الناس إلى ما من الله به عليه
فحقيق بذلك أن يتبع ويجعل إمامًا
والصبر المذكور في هذه الآية
هو الصبر على طاعة الله الذي هو أعلى أنواع الصبر وبتمامه تتم باقي الأقسام، وفي الآية استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار
لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله، دل ذلك على أن الله يحبه وإذا كان يحبه، فإنه يأمر به ويرغب فيه.
السابع :
الدعوة إلى الله :
قال الله تعالى :
وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا
وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ
بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾
[الكهف: 29].
أي : قل للناس يا محمد : هو الحق من ربكم
أي : قد تبيَّن الهدى من الضلال والرشد من الغي، وصفات
أهل السعادة وصفات أهل الشقاوة
وذلك بما بيَّنه الله على
لسان رسوله، فإذا بان واتضح ولم يبقَ فيه شبهة.
فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
أي : لم يبق إلا سلوك أحد الطريقين بحسب توفيق العبد وعدم توفيقه، وقد أعطاه الله مشيئة بها يقدر على الإيمان والكفر والخير والشر، فمن آمن فقد وفِّق للصواب، ومن كفر فقد قامت عليه الحجة، وليس بمكرهٍ على الإيمان
كما قال تعالى:
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾
[ البقرة : 256 ]
وليس في قوله :
فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
الإذن في كلا الأمرين
وإنما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار
الكفر بعد البيان التام.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله
بالصلاة والسلام عليه