لا يوجد أي شيء في الحياة لا يحمل جانبًا من الندم. الشعور بالأسف على شيء ما هو شعور، وفي نفس الوقت أسلوب تفكير؛ حيث يواصل الفرد الهوس بحدث أو رد فعل ما، ويعيد التفكير في أمر ما حدث مرارًا وتكرارًا، ويشغل باله في افتراض ما كان ليحدث "لو" تصرف على نحو آخر أو قال شيئًا آخر. مشاعر الندم من الممكن أن تكون عبئًا مؤلمًا يفسد عليك أن فرحة في الحاضر، بسبب أنك حزين وتغلق على نفسك في حدود الماضي. [١] الندم كذلك هو عملية غير منتجة، بمعنى أنها بلا طائل، بل والأسوأ أنها تمنعك عن مواصلة حياتك وعن المضي قدمًا للأمام. إذا وجدت أنك خاضع بشكل كبير لمشاعر الأسف والندم، فتعرف على مشاعرك، وتعلم كيفية مسامحة نفسك، واهدف لأن تخطو بحياتك للأمام.
تعرف على ما هي حقيقة الندم. الندم هو طريقة انتقادية من التفكير أو المشاعر تقوم بوضع اللوم فيها على نفسك بسبب ما حدث. الندم الإيجابي قد يكون عملية مفيدة لمساعدتك على تعلم كيفية تغيير سلوكياتك في المستقبل. بينما الندم السلبي/ غير المثمر، حيث تواصل لوم نفسك وتحميلها الكثير من الضغط، قد يسبب لك قلقًا مزمنًا يضرك ويؤثر على حياتك صحيًا ونفسيًا وعمليًا.
مشاعر الندم تنشأ بسبب ما فعلته أو ما لم تفعله، على حد سواء. على سبيل المثال، يمكنك أن تشعر بالندم على طريقة تصرفك بشكل معين خلال أحد الجدالات، أو أنك تندم على عدم قبولك لعرض الوظيفة.
قم بتمييز مشاعر الندم. قد يختلف ذلك من شخص لآخر، ولكن مشاعر الندم تحتوى على: الحزن، والفقد، وتأنيب الضمير، والغضب، والخجل، والقلق.[٢] قم بالتعرف على وتمييز هذه المشاعر وثيقة الصلة بالندم. على سبيل المثال، قد تخطر على بالك أفعالك في الماضي، ثم تظل تفكر في ذلك الحدث طوال اليوم. قد يتركك ذلك معدوم القوى وفاقدًا للأمل. قد تفكر فيما قلته أو ما فعلته، أو قد تفكر فيما تمنيت لو أنك قمت بفعله بشكل مغاير من أجل تغيير الوضع الحالي.
إعادة التفكير المستمرة والشعور الندم قد يسببا درجة عالية من الجزع والقلق. قد يترتب على ذلك ترددك الشديد وقلقك من القرارات المستقبلية التي تخشي أن تندم عليها مستقبلًا بدورها.
ضع في اعتبارك من أين تنبع مشاعر ندمك. فكر حول ما يسبب شعورك بالندم. قد يشعر الناس بالندم للعديد من الأسباب. حالات الندم الشائعة تتضمن ما يلى: [٣]
الحياة العامة للأفراد: العديد من الأفراد يندمون على الانتقال لبلد مختلف، أو يتمنون لو أنهم أسرعوا بشراء المنزل الذي عرض للبيع أمامهم. على سبيل المثال، قد تنتقل من مصر إلى دولة أخرى بحثًا عن وظيفة. ولكن بعد شهور، تجد أنه من المستحيل أن تجد وظيفة، وتجربتك لأسلوب الحياة تحت ضغط هائل تجعلك تشعر بحنين كبير للوطن والأسرة، كل يوم وكل دقيقة. فتتمني لو أنك لم تقم بأخذ هذه الخطوة أبدًا في حياتك.
العمل: قد يندم الأفراد على عدم أخذ مسار مهني معين، أو التراخي في السعي للوصول لوظيفة أحلامهم. أو يندمون على عدم قبول عرض العمل في أحد الوظائف أو الترقيات. على سبيل المثال، قد تكون تحت ضغط هائل لمواصلة الذهاب لعملك كل يوم، ويجعلك ذلك تتمنى لو أنك لم ترفض فرصة أن تكون شريكًا في ملكية وإدارة أحد المشاريع التجارية التي عرضها عليك أحد أفراد عائلتك أو أصدقائك.
العائلة: الافراد قد يشعرون بالندم على عدم تسوية النزاعات مع أفراد العائلة أو الأصدقاء، خاصة إذا تعرض الطرف الآخر للموت. أو قد يشعرون بالندم على عدم قضاء المزيد من الوقت مع أحد أفراد العائلة الأكبر سنًا. على سبيل المثال، قيامِك بالانتقال لمدينة أخرى من أجل وظيفة زوجك. والذي ترتب عليه قطع التواصل بينك وبين جدتك. عندما تتعرض الجدة للوفاة، قد تشعرين بالندم على عدم بذلك الجهد للبقاء على تواصل معها ومواصلة زيارتها.
الأطفال: قد يشعر الأفراد بالندم على إنشاء عائلة! نعم ذلك قد يحدث. قد تكون حظيت بأطفال صغار من أجل رغبة زوجتك ولتحقيق حلمها. ولكن بعد سنة، تجد أن مسئوليات الأبوة تتكاتل على عاتقك، وتعاني كذلك من علاقتك مع زوجتك. ضع في اعتبارك كذلك أن العديد من الآباء والأمهات يعانون من اكتئاب ما بعد الولادة. تأكد من الحصول على مساعدة متخصصة إذا كنت تعتقد أنك تعاني من هذا الأمر.
الزواج: قد يندم الأفراد على موعد زواجهم أو اختيارهم لشريك حياتهم. حتى أن البعض قد يندم على فكرة الزواج نفسها. إذا تزوجت، على سبيل المثال، وفق اختيار عائلتك. بعد 5 سنوات من الزواج، وجدت أنك لا تتشارك أي من الاهتمامات أو الأفكار مع الطرف الآخر. وتبدأ التفكير في كيف كان شكل حياتك ليكون إذا تزوجت حبيبتك التي كنت تقدر على عيش حياة سعيدة معها، على الرغم من عدم إعجاب والديك بها.
استخدم العلاج السلوكي المعرفي (CBT) للتغلب على مشاعر الندم. تمارين العلاج السلوكي المعرفي تعلمك كيفية تغيير عاداتك وأساليب تفكيرك. نعم. باستطاعتك ذلك، ويمكنك أن تقدر في وقت قريب على تغيير مشاعر الندم والعار والغضب. بدلًا من الوقوع تحت تأثير مشاعر الندم، سوف تركز على علاج أي أفكار أو مشاعر مؤذية وسلبية بداخلك.
يعمل العلاج السلوكي المعرفي على تقليل مشاعر الندم والقلق واستبدالها، بدلًا من مجرد مواصلة إخبار نفسك بالتوقف عن التفكير في البداية
قم بكتابة وتدوين مشاعر الندم. فيما يتعلق بمشاعر الندم، فالأفراد كثيرًا ما يكون تسائلهم الأساسي هو "لماذا" تصرف على هذا النحو، أو لم يبادر للقيام بذلك الشيء، وهنا تحديدًا في كثير من الأحيان هو المكان الذي ينحصر فيه تفكيرك بشكل سلبي.[٥] قم بكتابة مشاعر ندمك وأي أسئلة تواصل طرحها على نفسك كلما فكرت في الأمر المتعلق. على سبيل المثال، قد تسأل نفسك، لماذا تصرفت بهذا الأسلوب.[٦] أعد النظر في قائمتك المدونة، وقم بتغيير سؤال "لماذا" إلى "وما التالي؟ ما الذي يجب عليك فعله الآن؟" بهذه الطريقة سوف تساعد نفسك على تخطي مشاعر الندم والخروج من دائرته المغلق التي تحيط بك وتسجنك من كل جهة.
على سبيل المثال: قد تسأل نفسك، "لماذا صرخت في ابنك الصغير أكثر من اللازم في اليوم السابق؟". لكن بتغييرك لطبيعة السؤال، إلى "وما التالي؟" يمكن أن تدرك أنك تكون قليل الصبر بعد يوم شاق من العمل، وبالتالي في المستقبل تمنح نفسك بعض فترات الراحة بعد العمل، وقبل أن تبدأ في التعامل مع أبنائك الصغار.
استفد من الدروس التي تتعلمها في حياتك. الندم قد يكون وسيلة تعليم هامة للغاية للمستقبل. حاول أن تستخلص الدروس التي تتعلمها مما تمر به في حياتك وتصالح مع أن هذه التجارب كانت ضرورية، بل بالعكس إنها تساعدك -رغم مشقتها- على أن تكون أكثر حكمة. على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالأسف على عدم معاملة زوجتك بالاحترام المطلوب، فأنت تعلمت من ذلك أن إساءة احترام الزوجة يجعلك تشعر بحالة سيئة في جميع جوانب حياتك. وجود هذه المعرفة يجعلك زوجًا وشخصًا أكثر حكمة ومتفهمًا للكيفية التي يجب أن تكون عليها المعاملة بين الأزواج.
قم بتطبيق ما تعلمته. الأشياء التي قد تندم عليها قد تكون أشياءًا تعلمتها عن نفسك أو عن الآخرين. وجود هذه المعرفة في حياتك المستقبلية سوف يقلل من فرص القيام بنفس الخيارات الخاطئة. تأكد من أنك تستفيد دائمًا من تطبيق هذه الحكمة المكتسبة على ما تمر به من مواقف تالية في حياتك.
إذا تعلمت أن عدم احترامك لزوجتك يجعلها تشعر بالارتياب وانعدام الثقة، فلا تقم بذلك أبدًا في المستقبل حفاظًا على مشاعرها.
تحكم في تأثير مشاعر الندم على مستقبلك. بينما أنك لا تقدر على تغيير ما حدث في الماضي، يظل باستطاعتك أن تختار الكيفية التي يؤثر بها الماضي على حاضرك ومستقبلك.
لا يمكنك تغيير ما أنفقته في فترة الجامعة على السجائر أو المشروبات غير الصحية، ولكنك قادر على اختيار ألا تسمح لنفسك بمواصلة نفس الفعل في الحاضر وبالتالي الندم عليه من جديد في المستقبل. لا تسمح للندم بأن يملأك الآن بمشاعر الآسف والذنب، واستفد من كل تجارب حياتك السابقة في الحصول على مستقبل أفضل.
تمييز الندم الإيجابي. تحميل نفسك أكثر من قدرتها على الاحتمال يعتبر أحد أنواع الندم السلبي، الضار وعديم الفائدة. لكن الندم الإيجابي يعني أن تستغل ما تمر به من تجارب ومشاعر عدم رضا على أفعالك أو أقوالك في الماضي، من أجل البناء لشخصية أفضل والتصرف بذكاء وحرص أكبر تجاه المواقف المستقبلية. بمجرد إدراكك أنك أضعت على نفسك فرصة معينة، أو قمت بأمر على نحو غير صحيح، سواء كان على مستوى الحياة الشخصية أو العملية أو العاطفية والاجتماعية، فأنت أكثر قدرة من الآن على أن تصلح هذا الخطأ وألا تكرره أبدًا في المستقبل. [٨]
إذا وجدت نفسك مترددًا في قبول أحد الفرص الجديدة، فاسأل نفسك إذا كنت ستشعر بالندم أكثر على إضاعتك للفرصة أم على استغلالك لها. الإقدام على تجربة أشياء جديدة يجعلك تقلل من احتمالية شعورك بالندم في المستقبل.
اشعر بالتعاطف مع الآخرين. أنت لست الشخص الوحيد الذي يشعر بالأسف على شيء ما. ضع في اعتبارك ما يمر به الآخرين ويعانون منه. تذكر أن التعاطف يساعدك على فهم مشاعر الآخرين بطريقة أفضل. قد يتطلب منك ذلك أن تتحدي أحكامك المسبقة وأن تستمتع وتفكر فيما يمر به الآخرون من حولك بصدق ومراعاة. [٩]
على سبيل المثال، إذا شعرت بالندم على إسرافك في شرب السجائر خلال أيام الجامعة، فأنت لديك الآن فهم أعمق لتجارب ومشاعر ابنك خلال نفس الفترة من عمره.
تحويل مشاعر الندم إلى مشاعر امتنان. ربما أنك تفكر في الندم وفق الجمل التالية: "كان يجب علي أن../ كنت أقدر على أن../ لا أصدق أنني قمت بـ.../ لماذا لم أفعل…" قم بتغيير هذه الجمل إلى جمل امتنان وعرفان بجميل وفائدة التجربة. سوف يساعدك ذلك على التفكير في الماضي بشكل مختلف والبدء في تغيير مشاعر الندم بداخلك. عندما تمسك نفسك تفكر في جملة ندم، فقم بتحويلها إلى جملة رضا وامتنان، حتى مع أكثر التجارب الصعبة في حياتك. سوف يساعدك ذلك على التفكير بشكل إيجابي في الماضي.
على سبيل المثال، قم بتغيير "كان يجب عليّ أن أذهب إلى الجامعة" إلى "أنا شاعر بالامتنان لأن الوقت لم يتأخر بعد على الذهاب للجامعة." وقم بتغيير "كان يمكنني أن أحاول أكثر أن أمتنع عن التدخين في الجامعة" إلى "أنا ممتن أنني قادر على التعامل مع هذه العادة السيئة بشكل أفضل الآن."
تمرن على مسامحة النفس. الندم قد يسبب الشعور بالاستياء تجاه نفسك وتجاه الآخرين. [] بدلًا من ذلك، تعلم أن تسامح نفسك وأن تتصالح معها. لن يساعدك ذلك فقط على تقليل مشاعر الندم، ولكن كذلك سوف يرفع من ثقتك في نفسك. احترام الذات والشعور بالثقة أمر بالغ الأهمية والضرورة في جميع جوانب حياتك، بما فيها العلاقات العاطفية.
لا تحاول أن تنتزع مشاعر الندم. بدلًا من ذلك، اعترف بأخطائك ومشاعرك، ولكن امنح نفسك فرصة للمضي قدمًا في حياتك
اكتب جوابًا لنفسك. تمرين كتابة الخطاب سوف يساعدك على تدريب نفسك على التصالح الذاتي. [] هذه الوسيلة العاطفية والمعرفية سوف تساعدك على علاج مشاعر الندم. وجه خطابًا إلى نفسك في الماضي، أو النسخة الأصغر عمرًا منك، وفي هذا الخطاب تحدث مع نفسك كأنك تتحدث إلى صديق مقرب أو أحد أبنائك الصغار. سوف يجعلك ذلك تصل لحالة من التعاطف والإشفاق على نفسك وتفهم والتصالح مع كل ما حدث في الماضي.
قم بتذكير النسخة الأصغر عمرًا منك أنك تستحق الأفضل في حياتك، حتى على الرغم من كل الأخطاء التي وقعت بها. أنت بشر وكل البشر يتعرضون لمثل هذه المواقف ومن الطبيعي والعادي أن تقوم بالأخطاء، الأهم أن تتعلم منها.
تمرن على التأكيدات النفسية اليومية. التأكيد النفسي هو جملة إيجابية قادرة على تشجيعك، والرفع من حالتك المعنوية، وجعلك تشعر بالتصالح والرضا عن نفسك أكثر.[] التصالح مع النفس يجعل من الأسهل عليك أن تتعاطف مع أفعالك في الماضي، وبالتالي يقلل ذلك من مشاعر الندم. أخبر نفسك، أو اكتب، أو فكر في هذه التأكيدات النفسية. بعض الأمثلة على تلك الجمل، ما يلى:
أنا شخص جيد وأستحق الأفضل على الرغم من كل ما حدث في الماضي.
أنا بشر وأقوم بالأخطاء، وهذا أمر طبيعي.
لقد تعلمت الكثير من تجارب الماضي، وأستحق مستقبلًا أفضل.
أفكار مفيدة
لا يمكنك أن تغير ما حدث في الماضي، ولكنك تقدر على اختيار كيفية تأثير الماضي على حاضرك ومستقبلك
لاحظ المرات التي تكون فيها شديد القسوة في التعامل مع نفسك.
تخيل نفسك تقوم بالأشياء التي تساعدك على المضي قدمًا في حياتك، واترك مشاعر الندم السلبي وراء ظهرك.
اسعَ للانضمام إلى مجموعات الدعم أو الحصول على استشارة نفسية من أجل اكتشاف كيفية التصالح مع مشاعر الندم.
قم بمساعدة الأفراد المحتاجين والفقراء كشخص متطوع في الأعمال الخيرية. يساعدك ذلك على القيام بشيء شديد التأثير الإيجابي على نفسك، والانشغال قليلًا عن معاناتك في حياتك الشخصية.
اكتب ودوّن ما تشعر به تجاه الشخص الذي تكره للغاية، ثم قم بتطبيق هذه الورقة وألقِ بها بقوة بعيدًا.
تذكر أن الجميع يقعون في الأخطاء، وأنك لست الوحيد الذي وقع في مثل هذه التصرفات غير السارة.
تحذيرات
إذا تحولت مشاعر الندم في أي وقت من الأوقا إلى اكتئاب حاد، أو انسحاب من الحياة، أو أفعال مؤذية للنفس، أو أفكار انتحارية، فرجاءًا تواصل مع طبيب أو أخصائي نفسي، أو أي شخص تثق به. أنت لست بمفردك ويوجد الكثير من الأفراد الراغبين والمستعدين لمساعدتك.