الحث على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم
الحث على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم
عن الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: ((قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ، فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ))؛ الحديث[1].
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: ((قَدْ يَئِسَ الشَّيْطَانُ بِأَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ وَلَكِنَّهُ رَضِيَ أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَاقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوا يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخٌ مُسْلِمٌ، الْمُسْلِمُونَ إِخْوَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَلَا تَظْلِمُوا، وَلَا تَرْجِعُوا مِنْ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ))[2].
بيان غريب الحديث:
♦ ((يَزِيغُ)): زاغ الشيء يزيغ: إذا مال.
♦ ((الرَّاشِدِينَ)): الراشد: اسم فاعل من رشد يَرشَدُ، ورشَدَ يرْشُدُ رشدًا، وهو خلاف الغي، وأرشدته أنا: إذا هديتَه، وفي هذا ثناء من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على من تولى الحكم من بعده، وهو الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم.
♦ ((الْمَهْدِيِّينَ)): المهدي: الذي قد هداه الله إلى الحق، هداه يهديه فهو مهدي، والله هاديه.
♦ ((بِالنَّوَاجِذِ)): النَّواجِذُ: الأضراس التي بعد الناب، جمع ناجذ، وهذا مثلٌ في شدة الاستمساك بالأمر؛ لأنَّ العَضَّ بالنّواجذ عَضٌّ بمعظم الأسنان التي قبلها والتي بعدها.
أهم ما يستفاد من الحديثين:
في الحديثين معانٍ كثيرة، وقد تناولهما العلماء شرحًا في القديم والحديث، ومن أحسن من شرح الحديث وفاض في بيان معناه العلَّامة ابن رجب الحنبلي (795هـ) رحمه الله في جامع العلوم والحكم، ولعلي أقف في ظلال هذا الحديث بما يخص موضوعنا السنة كما هي جادتنا في بحثنا هذا فأقول:
♦ يعد الحديث من دلائل نبوة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أنَّ فيه الإخبار بما سيكون بعده من الاختلاف، قال العلامة ابن رجب (795هـ) رحمه الله: (هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بما وقع في أُمته بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه، وفي الأقوال والأعمال والاعتقادات، وهذا موافق لما روي عنه من افتراق أُمته على بضع وسبعين فرقة، وأنَّها كلها في النَّار إلا فرقة واحدة، وهي من كان على ما هو عليه وأصحابه، وكذلك في هذا الحديث أمر عند الافتراق والاختلاف بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، والسنة: هي الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة، ولهذا كان السلف قديمًا لا يطلقون اسم السنة إلا على ما يشمل ذلك كله، وروي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي والفضيل بن عياض)[3].
♦ لما أشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الاختلاف الذي سيكون بعده، حثَّ على اتباع سنته صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على حجية السنة، وأنَّ المعوَّل يكون عليها عند التنازع والاختلاف.
♦ لمَّا بيَّن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الداء الذي سيحل بالأمة من بعده، أرشدهم إلى الدواء، وهي سنته صلى الله عليه وسلم، فهي شفاء لمن عاش في ظلال ما جاء فيها، وعافية لمن تخلق بمعانيها.
♦ يستفاد من الحديث أنَّ أهل الحديث هم أَولى النَّاس بالاتباع عند الاختلاف؛ لمعرفتهم بالسنن والآثار المروية، فهم حملة الآثار، وبركة الديار، ومن تأمل في تراجم العلماء قديمًا وحديثًا، عَلِمَ أنَّ أعظم النَّاس حُجَّة، وأشدهم ثباتًا، وأزكاهم نفسًا، وأسدَّهم رأيًا، وأجلدهم على تحمُّل البلاء هم أهل الحديث، ورحم الله العلامة اللَّكنوي (1304هـ) إذْ قال: (ومن نظر بنظر الإنصاف، وغاص في بحر الفقه والأصول متجنبًا الاعتساف، يعلم علمًا يقينيًّا أنَّ أكثر المسائل الفرعية والأصلية التي اختلف العلماء فيها، فمذهب المحدِّثين فيها أقوى من مذهب غيرهم، وإنِّي كلما أسير في شعب الاختلاف أجد قول المحدِّثين فيه قريبًا من الإنصاف، فلله درهم، وعليه شكرهم، كيف لا وهم ورثة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حقًّا، ونواب شرعه صدقًا، حشرنا الله في زمرتهم، وأماتنا على حبهم وسِيرتهم)[4]؛ اللهم آمين.
فلله درُّهم، وعليه أجرُهم إن شاء الله، كم من قتيل لإبليس قد أحْيَوه، وكم من ضالٍّ تائه قد هدَوه.
[1] أخرجه: أحمد (17142)، واللفظ له، والدارمي (96)، وابن ماجه (42)، وأبو داود (4607)، والترمذي (2676)، والحربي في غريب الحديث 3 /1174، وابن وضاح في البدع (54)، وابن أبي عاصم في السنة (54)، والمروزي في السنة (69)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1185)، وفي شرح معاني الآثار؛ له (500)، والآجري في الشريعة (86)، والطبراني في الأوسط (66)، وفي الكبير؛ له (617)، وفي مسند الشاميين؛ له (437)، وتمام في فوائده (225)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (79)، وأبو نعيم في الحلية 5 /220، وفي معرفة الصحابة؛ ل ه4 /2235، وابن بشران في أماليه (56)، والداني في السنن الواردة في الفتن (123)، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (50)، وفي الشعب؛ له (7109)، وفي الكبرى؛ له (20338)، وفي دلائل النبوة؛ له6 /541، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله (2303)، وابن بطة في الإبانة (142)، والآجري في الأربعون حديثًا (8)، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1 /442، وقال الترمذي عقيبه: (هذا حديث حسن صحيح)، وصححه ابن حبان (5)، والحاكم (329). وينظر: كلام ابن رجب عليه في جامع العلوم والحكم (28).
[2] أخرجه: ابن أبي شيبة (37266)، وأحمد (2036)، والترمذي (2193)، والمروزي في السن (68)، والخرائطي في مساوئ الأخلاق (44)، والآجري في الشريعة (1704)، والطبراني في الكبير (11399)، والدارقطني في السنن (2881)، والحاكم (318)، واللفظ له، والبيهقي في الكبرى (11524)، وفي دلائل النبوة؛ له5 /449، وابن بطة في الإبانة (1022)، وأصله في البخاري (1739).
[3] جامع العلوم والحكم: 120.
[4] ولا نقول هنا إلا ما قاله الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ 1 /10 شاكيًا إلى الله غربة المحدثين في زمانه، زمان المزي وابن كثير، وابن القيم، وابن تيمية، وابن دقيق العيد، وابن رجب رحمهم الله تعالى جميعًا: (فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كِدتُ أنْ لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب).
hgpe ugn hjfhu skm hgkfd wgn hggi ugdi ,sgl hgpf
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|