عاد إلى مكة بعد معاناةٍ طويلة فارًّا من أرض الروم الذين سَبَوْهُ وهو صغير السِّنِّ. وما إن عاد حتَّى سمع ببعثة محمد صلى الله عليه وسلَّم، فقَصَد دارَ الأرقم بن أبي الأرقم ليرويَ ظمأ قلبه بكأس التوحيد العَذبة. ويملأ قسمات وجهه من شمس النُّبوَّة المشرقة.
إنه
صهيب بن
سنان النميريُّ الذي كان مِن السابقين إلى الإسلام، الذين أظهروا إسلامهم. ولقي من التَّعذيب ما لَقِي مع عمار وبلال وخبَّاب. وكان يتحمَّل الأذى صابرًا مُحتسبًا.
تبعَ النبيَّ وأبا بكر في هجرتهما إلى المدينة، ولكنّ مجموعةً مِن فتيان قريش تبعوه، لكنَّهم رجعوا عندما دلَّهم على مكان أمواله في مكَّة.
تابع الهجرة، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلَّم بقُباء، فناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجْهُه يتهلَّل بالفرح قائلًا: ربحَ البيعُ يا أبا يحيى. ربحَ البيعُ يا أبا يحيى.
نزل فيه قوله تعالى: ï´؟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ï´¾ [البقرة: 207]
وكان فيه مع فضله وعلوِّ درجته مداعبة وحسْن خُلق، روي عنه أنه قال: جئتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو نازلٌ بقباء، وبين أيديهم رطبٌ وتمرٌ، وأنا أرمد، فأكلتُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتأكل التمرَ وأنتَ أرمدُ))، فقلتُ: إنَّما آكل على شقِّ عيني الصَّحيحة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدتْ نواجذُه. [أسد الغابة ج1].
أحبَّه عمرُ بن الخطاب وكان يحسنُ الظنّ فيه، وعندما ضُرب أوصى أن يُصلِّيَ عليه صهيب. [أسد الغابة ج1].
أمضى حياته جنديًّا مخلصًا في جيش الإسلام الفاتح، ينفِّذ ما يُؤمر به، ويستسْهل كلَّ صعب في سبيل الإسلام.
حتى وافته المنيَّة سَنة ثمان وثلاثين، وقيل: سَنة تسع وثلاثين [أسد الغابة].
رضي الله عنه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاء.