هل الكذب أشد من الزنا ؟
السؤال
قرأت الحديث التالي : " المؤمن إذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألفا من الملائكة ، وخرج من قبله نتن حتى يبلغ العرش فيلعنه حملة العرش ، وكتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن زنى مع أمه" فهل هذا الحديث ينطبق على المؤمن الذي اعتاد الكذب أم على أي شخص كذب على العمو م؟ وهل هذا الحديث يعني أنّ الكذب أعظم من الزنا ؟ وهل يمكننا القول عن كل شخص كذب أو يكذب أنه زنا 70 زنية ؟
ملخص الجواب:
والخلاصة : أن هذا الكلام المذكور ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ثم هو كلام باطل في نفسه ؛ فلا يجوز أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم .
نص الجواب
الحمد لله
أولا :
الكذب من صفات المنافقين ، وهو خلق ذميم ، يحضّ على الشر ، ويمنع من الخير ، وقد روى البخاري (6094) ، ومسلم (2607) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) .
وأشد الكذب : الكذب على الله ورسوله ، ثم الكذب بين الناس للإفساد بينهم ، واعتياد الكذب في الحديث من صفات المنافقين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) رواه البخاري (34) ، ومسلم (58).
والواجب على من كذب - ولو كذبة واحدة - أن يتوب إلى الله تعالى ، فقد روى الترمذي (1973) عن عائشة قالت : ، ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ، ولقد كان الرجل يحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم بالكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة " وصححه الألباني في "الصحيحة" (2052) .
ثانيا :
هذا الحديث الوارد في السؤال لم نجد له أصلا – بعد البحث – والظاهر أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكر العلماء أن من علامات الحديث الموضوع : المبالغة في ذكر الثواب أو العقاب على عمل من الأعمال ، وهذا الحديث كذلك .
والأصل أن الزنا أشد من الكذب في حديث الناس ، ولهذا جاء مرتبا ، بعد الشرك بالله ، وقتل النفس في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ) النور/68 .
وجاء في الزنا ـ أيضا ـ من العقوبة في الدنيا (الحد) ، والوعيد في الآخرة ، ما لم يأت مثله في الكذب ، إلا أن بعض أفراد الكذب أشد من الزنا وغيره من الموبقات ، كالكذب على الله ورسوله ، قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ) يونس/ 69 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر : (من كذب علي متعمدا فيتبوأ مقعده من النار) .
أما القول بأن مطلق الكذب أشد من الزنا : فباطل ، فضلا عن أن يقال : أشد من سبعين زنية ، أهونها كمن زنى بأمه ؛ فهذا من أسمج المقال ، وأبين الكذب والمحال !!
وأما ما رواه ابن عساكر في "تاريخه" (27/ 241) عن عبد الله بن جراد أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا نبي الله هل يزني المؤمن ؟ ، قال: ( قد يكون ذاك ) .
قال: هل يسرق المؤمن؟ ، قال: ( قد يكون ذاك ) .
قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: ( لا ، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون ) " .
فحديث باطل ، في إسناده يعلى بن الأشدق ، قال ابن حبان: وضعوا له أحاديث فحدث بها ولم يدر ، وقال أبو زرعة: ليس بشيء ؛ لا يصدق.
"ميزان الاعتدال" (4/ 457)
وذكره الألباني في الضعيفة (5521) وقال : " موضوع " .
ومثل ذلك : حديث صفوان بن سليم : " قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَاناً؟
فَقَالَ: (نَعَمْ) .
فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلاً ؟
فَقَالَ: (نَعَمْ) .
فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّاباً ؟
فَقَالَ: (لاَ) " .
رواه مالك (3630) وهو مرسل ، وضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1752).
ig hg;`f Ha] lk hg.kh ?
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|