تستمر "سبق" في تسليط الضوء على حضارات الجزيرة العربية التي اندثرت وعمرها فوق 4000 سنة في سلسلة "حضارات أرض الجزيرة العربية"، ووفقًا لقدم الحضارات التي سكنت الجزيرة اكتشف العلماء حضارة "مجان" وهي من الحضارات التي ظهرت على ساحل الخليج العربي وتحديدًا في سلطنة عمان وجزء من الربع الخالي.
وتفصيلاً، أطلق السومريون على عمان اسم مجان أو جبل النحاس، وذكر ذلك في مئات النصوص السومرية القديمة والتي كتبت بالخط المسماري وكانت تشير بشكل واضح إلى أهمية وقوة أهل وشعب مجان من النواحي الإستراتيجية ومصادره الطبيعية خصوصًا النحاس والأحجار الكريمة المستخدمة في صنع التماثيل مثل حجر الديوريت.
وخلال الخمسة آلاف سنة الأخيرة، كان يتمتع أصحاب هذه الحضارات بعلاقات قوية مع بلدان العالم المختلفة مثل مصر والرافدين وإفريقيا وأوروبا، وقد كانت الموانئ القديمة حلقة الوصل مثل موانئ صحار وصور ومسقط وصلة ومطرح.
ووجد المستكشفون مواقع كثيرة مليئة بالمباني التاريخية من بينها صور وصلة وجعن بني بوعلي وبني بوحسن والقابل وإبراء والمضيبي ونزوى والحمراء ومنح وبركة الموز وهذه تشكل جزءًا مهمًا من الهوية الحضارية.
وفي موقع سمد، تم الكشف فيه عن عدد كبير من المدافن التي تمثل مراحل زمنية مختلفة ترتبط بمواقع سكنية من فترات تعود إلى الألف الرابع ق.م وحتى العقود اسمية وتم الكشف في موقع (سمد الشأن) عن أولى محاولات التعدين واستخراج النحاس وصهره وتصنيعه وتصديره إلى مناطق سكان بد ما بين النهرين من السومريين والآكاديين والبابليين والآشوريين كانوا على علاقة وثيقة مع عمان أو مجان وفي مناطق مثل سمد الشأن ووادي العين ووادي به والمناطق الساحلية قامت المدن وتعد من أقدم المراكز الحضارية التي نشأت في الجزيرة العربية.
وكانت الكثافة السكانية في عمان في الألف الثالث قبل الميلاد، أكثر منها في أي منطقة من مناطق الجزيرة العربية بسبب الثروات التي كانت قائمة كالتعدين والزراعة والموارد الطبيعية والتجارة فقد كانت عمان من أولى المناطق في الجزيرة العربية التي أقامت جسورًا تجارية مع شبه الجزيرة الهندية ومع بد النهرين ومع إيران وقارة إفريقيا.
واكتشفت مواقع سكنية يعود أقدمها إلى الألف الخامس ق.م وحتى العهود العربية اسمية، ومكتشفات تعود إلى العصر البرونزي القديم في الألف الثالث ق.م، وبقايا قوارب وأختام مستوردة من الهند وهي مربعة الشكل تحمل مشاهد من أصل هندي.
ويبدو أن سكان منطقة رأس الجنين في تلك الفترة كانوا يعيشون على صيد أسماك وتم الكشف عن موقع سكني وميناء قديم يعد من أقدم الموانئ التي عرفتها الجزيرة العربية وكان حلقة الوصل بين شبه الجزيرة الهندية وعمان وبقية مناطق الخليج العربي.
وتعد أقدم كتابة هجائية عرفت في هذا المكان، وتعود إلى منتصف الألف الثاني ق.م، وكانت هذه الكتابة الهجائية عبارة عن خاتمين من الحجر الصابوني على كل منهما ثلاث إشارات كتابية هذه الكتابة قد تكون مقطعية أو هجائية من أصول عيمية نسبة إلى منطقة (عيم) ما بين العراق وإيران ولها اتصال واضح بنظام الكتابة العربية الجنوبية.
ويعتقد أن ما جذبهم إلى أرض عمان هي شجرة اللبان النادرة والمهمة عند القدماء فهي بمثابة بترول العصور القديمة حيث كان يباع بأغلى أثمان لحاجته للمعابد والطقوس والبيوت في المنطقة.
وتذكر الرسائل الموجهة إلى "أيانا" أحد كبار التجار والمحين في أور ووكيــل استيراد النحاس من دلمون كيفية استيراد النحاس من مجان عن طريق دلمون كما دلت الــوثائق على أن الكميـات المستوردة كانت كبيرة ففي أحد النصوص تذكر كمية مقدارها 1300 مينا (طن) من النحاس على شكل سبائك.
وتشير النصوص المسمارية التي تعود إلى فترة النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد أن بلاد الرافدين كانت تستورد السلع من مجان عن طريق السفن الدلمونية ولكن هذه الحقيقة تغيرت منذ مجيء الملك "جون اكدي" إلى الحكم حيث بدأت سفن مجان تصل إلى بد الرافدين مباشرة.
وأشار الملك جون إلى ذلك في كتاباته: “ لقد تركت سفن مدينة ميلوخا وسفن مدينة مجان ودلمون ترسو في ميناء أكد"، وقد وصلت حضارة مجان إلى سواحل العالم في آسيا وإفريقيا وأوروبا .