لا يحتاج التزام السعودية بالقوانين الدولية إلى إثباتات، ذلك لأن تحققه بالفعل في الواقع يعد إحدى ركائز المصداقية، التي تتمتع بها الرياض على الساحة الدولية، فالدولة ذات الثقل في منطقة الشرق الأوسط لا تلتزم بالقوانين الدولية في سياستها وعلاقاتها الخارجية فحسب، بل تعمل أيضًا على تعزيز الالتزام بالقانون الدولي في مجال العلاقات الدولية، لتكون الحالة السائدة والمثلى للتعامل بين الدول خصوصًا في حالات النزاعات.
تقطع السبل
وعلى الرغم من هذا كله فإن تجاوب السعودية مع نداء استغاثة سفينة النفط الإيرانية، التي تقطعت بها السبل في عرض البحر الأحمر بعد تعطل محركها جدير بالالتفات؛ لما فيه من تقدير عميق للمسؤولية، وإعطاء الأولوية للاعتبارات الإنسانية، والمقدرة على تنحية الخلافات جانبًا في موضع المحن، وعدم استغلال الحادثة دعائيًا.
ويتجلى تقدير السعودية للمسؤولية في شعورها بأهمية عنصرين في مسألة تعطل السفينة الإيرانية الأول، الكارثة البيئية التي قد تنجم عن غرق السفينة المحملة بالنفط في حال عدم إنقاذها أو التأخر في إنقاذها، وما سيترتب عليه من أضرار بالغة تصيب البحر الأحمر بالتلوث، وتتسبب في نفوق بعض كائناته البحرية، بالإضافة إلى تلوث شواطئ الدولة المطلة على البحر الأحمر، وقد تبدى شعور السعودية بالمسؤولية في سرعة استجابتها لنداء الاستغاثة الذي أطلقته السفينة، وفي تفعيلها إلى خطتها الوطنية لمواجهة الكوارث البحرية في مياهها الإقليمية.
والعنصر الثاني، حرص السعودية على إنقاذ حياة بحارة السفينة الإيرانية الـ26 وتوفير سبل النجاة والسلامة لهم، ولاسيما أن الخطر يتهددهم من أكثر من جهة، سواء الغرق أو اشتعال النفط الذي تحمله السفينة، وهذا ما دعا الرياض إلى سرعة الاستجابة لنداء الاستغاثة، مدفوعة بما عهد عن صناع قرارها من تقديم الاعتبارات الإنسانية على أي دواعٍ أخرى، خصوصًا في حالة الأزمات حتى لو كانت السعودية طرفًا فيها.
عدائية طهران
ومن الجوانب الجديرة بالالتفات في سلوك السعودية في محنة السفينة الإيرانية، عدم استغلال الرياض لحسن تصرفها دعائيًا، على الرغم من توتر الأجواء بينها وبين إيران، والسياسات العدائية لطهران تجاه المملكة، والدليل على عدم استغلال السعودية للقضية دعائيًا نقل كل وكالات الأنباء لواقعة السفينة عن الوكالة التابعة لوزارة النفط الإيرانية وليس عن جهة سعودية، فبعد أن بادرت إيران إلى الإعلان عن الحادثة أصدرت السعودية بيانًا رسميًا حولها من خلال المتحدث الرسمي للمديرية العامة لحرس الحدود، وعدم استغلال السعودية للواقعة دعائيًا ينسجم مع مجمل الدوافع والاعتبارات المشكلة لموقفها، ويتكامل معها ومع قيمها المستمدة من دينها أيضًا.
ولا تتساوى كل الدول في القدرة على تنحية خلافاتها جانبًا في أوقات المحن والأزمات، وفصل المواقف السياسية عن الالتزام بالقانون الدولي، ففي هذه الواقعة التي نحن بصددها يبدو الفارق كبيرًا وشاسعًا بين التزام إيران بالقانون الدولي والتزام السعودية به، ففي حين استطاعت السعودية الوفاء بالتزاماتها الدولية والإنسانية حيال السفينة الإيرانية المهددة بالغرق، أخلت إيران بواجباتها الدولية في حماية السفارة السعودية في طهران وقنصليتها العامة في مدينة مشهد، فسمحت لميليشياتها بالاعتداء عليها وحرقها في يناير 2016.
ولعل ضخامة الفارق بين الرياض وطهران يدفع الأخيرة إلى مراجعة سياساتها والالتزام بالقانون الدولي في التعامل مع الدول المجاورة، ولعلها تستوعب أيضًا ما في تلك الواقعة من دروس تؤكد أهمية علاقات حسن الجوار في رعاية مصالح الدول، فلو أن إيران توقفت عن التدخل في شؤون دول الجوار، وغيرتها بسياسات تعطي الأولوية للتعاون لعاد ذلك بالفائدة على مصالحها.https://sabq.org/JLqfS2