قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (
للصَّائم فرحتان: فرحةٌ عندَ فطره،
وفرحةٌ عندَ لقاء ربِّه) [متَّفق عليه]
. والفرحةُ الأولى فطرية غريزية لسدِّ الجوع والعطش، ولا يحبُّ الشارعُ الحكيم منَّا مصادمةَ هذه الغريزة المشروعة؛ وأمَّا الفرحةُ الثانية فهي الفرحةُ الكبرى عندَ لقاء الربِّ الرحيم سبحانه، نسأل الله فضلَه وعفوه.
كان لنبيِّنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلم طريقةٌ فريدة عندَ الإفطار يصنعها كلَّما صام؛ فهو أوَّلاً عليه السلام يعجِّل بالفطرَ، وكان يقول: (لايزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر) [متَّفق عليه]. والحكمةُ في ذلك مقاصديَّة بالدرجة الأولى دون غلوٍّ وتَنطُّع بتأخير الإفطار، ثمَّ إنَّ فيه توافقاً مع الغريزة البشرية التي تريد شيئاً يسدُّ جَوعتَها بعدَ صيام نهارٍ كامل،كما أنَّ تأخيرَ الإفطار يزيد فترةَ الصيام دون منفعة شرعية؛ بل لو تأخَّر المرء كثيراً ربَّما انخفضَ السكَّر لديه فتضرَّر.
ثمَّ كان عليه السلام يبدأ إفطارَه بالتمر،وكان يفضِّل النوعَ الليِّن منه المسمَّى "الرُّطَب"، فإن لم يجد الرطب أكل النوعَ الجاف منه وهو المسمَّى "التمر". وأحياناً - فداه أبي وأمي – لا يجد هذا ولا ذاك، فيكتفي بجرعة ماء يسدُّ بها ظمأَه.
عن أنس رضي الله عنه: (أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يفطر قبلَ أن يصلِّي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتُمَيرات، فإن لم تكن تُمَيرات حسا حسواتٍ من الماء) [حديثٌ صحيح رواه أبو أحمد وأبو داود والترمذي].
وكان عليه السلام يجعل إفطارَه على مرحلتين، يأكل التمرَ ويشرب الماء أوَّلاً، ثمَّ يعجِّل بصلاة المغرب في المسجد مع الصحابة؛ فإذا صلَّى أكلَ ما تيسَّر له. هذا بحمد الله لا يزال سارياً لدى المسلمين.
فؤائد التعجيل بصلاة المغرب
في بعض البلاد يؤخِّرون صلاة المغربَ حتَّى يفرغوا من كامل إفطارهم وعشائهم!
وهذا فوقَ أنَّه مخالفٌ لسنَّة الحبيب عليه الصلاة والسلام،
فهو أيضاً ليس صحياً لما يلي:
من المعروف في الأنظمة الغذائيَّة الطبِّية الحديثة أنَّ تقسيمَ وجبة الطعام يقلِّل من كمِّية ما يأكله الإنسان! فالذي يقسم طعامَه في اليوم إلى خمس وجبات مثلاً، لن يشعر بالجوع الموجع،
وبذلك لن يهجمَ على الطعام بنهمٍ وشراهة.
وهذا ما يحدث عندما يفطر الصائم أوَّلاً على التمر والماء، ثم يصلِّي في المسجد ليرجع بعدَها إلى بيته، فيجد حرارةَ جوعه خفَّت فيأكل باعتدال.
ثمَّ إنَّ المعدةَ الخاوية قد لا يناسبها هجومٌ مكثَّف متوالٍ من الطعام بعدَ طول صيام، إذ يزداد تدفُّقُ الدم فجأةً إلى الجهاز الهضمي، وهذا هو تفسير الثِّقَل والخمول الذي يشعر به أحدُنا بعدَ وجبة دَسِمة.
كما أنَّ كثرةَ الطعام والشراهة سَببٌ لعُسر الهضم والغازات والحموضة، وهي مشاكل عصريَّة ملأ أصحابُها عيادات الأطبَّاء!
ومن ذلك أنَّ معدَّلَ امتصاص السكِّر يكون أسرع إذا كانت الأمعاءُ خالية، وهذا أمرٌ فيزيولوجي ثابت.
وهناك أشياء أخرى ذكرها بعضُ المؤلِّفين لم أجدها مدعومةً بما نعرفه من حقائق فيزيولوجية، على الأقل حتَّى الآن، والعلم لله سبحانه، منها مثلاً قولهم إنَّ الصلاة - والمقصود هنا صلاة المغرب -
يحصل فيها ضغطٌ على المعدة والأمعاء، وأنَّ في ذلك تنشيطاً لها! وقولهم إنَّ دخولَ كمِّية بسيطة من الطعام أوَّلاً يحفِّز مفرَزات الجهاز الهضمي أكثر ممَّا لو دخل الطعامُ دُفعةً واحدة.