م تتجاوز السابعة عشرة من عمرها وردة متفتحة في حياتها إلا وقد داهمها في ربيعها السابع عشر ما يطفئ وهج لمعة عينيها، بدأت تشتكي من ظهور ندبات في جسدها مع أقل ضربة أو كدمة تصيبها.
كانت تلعب مع إخوتها لعبة «الاستُغماية» وهي عاصبة عينيها تمشي بمرح باحثة عن أخويها، ارتطم رأسها بحافة الباب، انجرح على إثرها فمها، فنزفت دماً كثيراً كادت على إثره أن تفقد وعيها، لم يكن نزيفاً عابراً، كما يحدث كل مرة، ارتاعت هي وأمها مما ألم بها وطلبت والدها الذي أسرع بها إلى طوارئ المستشفى، قاموا على إثرها بعمل تحليل لدمها الذي أظهر أن بها نقصاً شديداً في صفائحها الدموية.
قام الطبيب بإسعافها ثم حولها إلى طبيب أمراض الدم الذي قام بمعاينتها وفحصها وتلمس بطنها، ووجد أن لديها تضخماً بالطحال، وتوصل إلى تشخيص هذا المرض الذي يُسمى «تكسر الصفائح الدموية المناعي» وهو مرض مناعي يُصيب الطحال بالجنون فلا تعبر فيه كرية أو صفيحة إلا كسرها وأعطبها، يُصاب به بعض الناس دون معرفة لماذا لا يصاب به آخرون؟
إذا انخفض عدد صفائح الدم لديك لأي سبب إلى عدد أقل من الطبيعي، فإن هذه الحالة تسمى بنقص الصفائح الدموية. المعدل الطبيعي لدينا في أي مكان من 150,000 إلى 450,000 صفيحة لكل ميكرولتر من الدم المتدفق بالدورة الدموية. ونظرًا لأن كل صفيحة تعيش نحو 10 أيام فقط، يقوم الجسم بشكل مستمر بتجديد إمدادات الصفائح الدموية عن طريق إنتاج صفائح جديدة في نخاع العظم. هناك أسباب مجهولة تتعلق بخلل في المناعة مع ظهور أجسام مضادة ضد الصفائح الدموية ونجدها في أكثر من 60 % من حالات هذا المرض، تقوم الأجسام المضادة بتكسير الصفائح الدموية مما يقلل عددها بشكل كبير، وغالباً ما يمكن اكتشاف هذا المرض في حالات عديدة بالصدفة، أو عند عمل فحص دم لأي سبب كان، ونجد أن هناك نقصاً واضحاً في عدد الصفائح الدموية من دون وجود أعراض واضحة مما يؤدي إلى حدوث النزيف بأشكاله المختلفة. وهناك أسباب أخرى كاستخدام بعض العقاقير من دون استشارة الطبيب قد تكون نتيجة الإصابة ببعض الفيروسات والتي تؤثر على إنتاج الصفائح الدموية، وفي هذه الحالات تكون الأعراض عبارة عن ارتفاع حاد بدرجة الحرارة مع عدم استجابتها بسهولة لمضادات الحرارة مع ظهور الطفح الجلدي والذي في هذه الحالة قد يلتبس التشخيص مع بعض الأمراض الفيروسية كالحصبة وغيرها. وكما ذكرت آنفاً، فإن معظم أعراض هذا المرض سببها النزيف الذي يحدث من تكسر الصفائح الدموية ونقصها، فتتنوع أعراض المرض حسب شكل النزيف كالتالي:
1 - ظهور طفح جلدي
2 - كدمات حمراء لأقل احتكاك أو خبطة
3 - نزف من الأنف أو اللثة
4 - زيادة في كميات الطمث عند الإناث
5 - قد تحدث مضاعفات أكثر خطورة قد تصل إلى نزيف داخلي في البطن أو العين أو الدماغ.
العلاج لا يكون ضرورياً في الحالات الخفيفة، لكن في حالة حدوث انخفاض حاد في عدد الصفائح الدموية أو حدوث نزيف كبير قد يدفع الطبيب المعالج للبدء بالعلاج بمركبات الكورتيزون وبحقن الجلوبيولين المناعي الوريدي، أما في حالة عدم الاستجابة للعلاجات السابقة يمكن أن يكون استئصال الطحال حلاً لهذه الحالات، كما أن نقل الصفائح الدموية في حالات النزف الحاد مع الانخفاض الشديد في عدد الصفائح الدموية يمكن أن يكون أحد أساليب العلاج. قام بعلاجها طبيب أمراض الدم، ولكنه لم يستطع أن يحافظ على صفائح دموية سليمة لا يلتهما الطحال فأكمل علاجه إلى أن ارتفعت الصفائح الدموية إلى الحد الذي يُسمح للجراح بإجراء عملية جراحية لها.
لم يبخل علي زميلي بإعطائي شرف علاجها وبعد فحصها ومعاينتها والتأكد من سلامة صفائحها وبقية فحوصاتها قمت بإجراء عملية استئصال الطحال بالمنظار التي تكللت بالنجاح. يلجأ الأطباء لاستئصال الطحال كإحدى خطواة العلاج لهذا المرض عند فشل الكورتيزون في السيطرة على نقص الصفائح. فيحدث تحسين وارتفاع في نسبة الصفائح عند 50 - 60 %من المرضى الذين يخضعون للعملية. بقيت مريضتي في المستشفى مدة يومين، وذهبت إلى بيتها دون مضاعفات تُذكر، ثم عاينتها في عيادتي وكانت بأفضل حال متمتعة بصحة جيدة ولله الحمد.