لم تكن تأكيدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ على أهمية دور السعودية في التصدّي للنفوذ الإيراني بالمنطقة واعتبارها شريكاً مهماً في مواجهة خطر الإرهاب والجماعات المتطرفة في العالم إلا شهادة من الإدارة الأمريكية للدور الريادي الكبير الذي تلعبه الرياض في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأكمله؛ ذلك الدور الذي لم يقتصر على السياسة فحسب؛ بل أصبح لاعباً رئيساً في استقرار أسواق الطاقة، بصفة أن المملكة أكبر مصدر للبترول وواحدة من دول العشرين ذات الثقل الاقتصادي والاستثماري المالكة للسندات في الأسواق العالمية.
ومنذ حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي؛ والسعودية تؤكّد اهتمامها بالقضية؛ لكون الضحية مواطناً سعودياً قُتل في قنصلية بلاده التي تقع سيادتها وفقاً لاتفاقية فيينا للسعودية، وصرّحت مراراً بأنها لا تقبل الابتزازات الرخيصة من بعض المنظمات الحقوقية والإنسانية التي ترفع شعار الحقوق وتتاجر به وتغض طرفها عن جرائم بحق البشرية تحدث على مقربةً منها، وهى ذات المنظمات التي تتناسى تظاهرات باريس وغيرها من المشاهد اليومية في هذا العالم وكشّرت أنيابها تجاه السعودية التي غالباً تتعامل مع هذه الممارسات بسياسة "النفس الطويل".
لكن الحالمة "السعودية" تصبر وتصابر وتثمّن العلاقات بين الدول وتقدّر صداقتها ومصالحها؛ لكنها إذا ضربت أوجعت، فهذا مجلس الشيوخ الأمريكي الذي يبدو أنه يستقي معلوماته من "الجزيرة" وأذرعها الإعلامية، فلم ترف أعين أعضائه على تصريحات الرئيس ترامب؛ الذي أكّد مراراً وقوفه مع القيادة السعودية وشكّك في تقييم الاستخبارات الأمريكية، وأكّد بعض أعضاء إدارته أن هناك محاولات تسييس للقضية من تركيا والداعمين لها.
لكن هذا مجلس استمرأ أسلوب الابتزاز تجاه الحليف الإستراتيجي لبلاده، فطوال شهرين وتزيد لا هَم لهم غير "خاشقجي"؛ وكأنه مواطن أمريكي فيحاولون ليّ ذراع السعودية التي كانت ومازالت عصيةً على الإملاءات وتتصدّى لأيّ محاولات للنيل منها ومن مكانتها كشريك سياسي واقتصادي للولايات المتحدة.
ورغم أن القرار الذي ردّت عليه وزارة الخارجية لا يعتد به ولا يؤثر بأي شكلٍ على السعودية ويحتاج تمريره إلى مجلس النواب الذي رفض حتى مناقشته، في إشارةٍ إلى عدم أهميته وله رسائل بالغة الأهمية مفادها "الرياض شريكنا الرئيس"؛ لكنه يحرج إدارة "ترامب"؛ ويعبّر عن صراع عميق في مجلس الشيوخ بين الموالين لـ "ترامب" ورافضي سياسته، فالرئيس الأمريكي والعقلاء في إدارته رفضوا كثيراً الزج بالقيادة السعودية في قضية قد تحدث في أيّ بلد، وهو الموقف ذاته الذي أوضحته السعودية ورفضت كذلك استغلال الحدث لمصالح سياسية وهي التي طوال تاريخها تنأى بنفسها عن التدخل في الشؤون الداخلية لكل الدول، ومثل هذا التدخل السافر من مجلس الشيوخ له تبعات على العلاقات بين أمريكا والسعودية، في وقت تسعى فيه المملكة إلى تطوير العلاقة وتقويتها.