الميزان السماوي
الميزان السماوي
مهما وصَل الحال بأمةٍ ما مِن الأمم - في الرقيِّ والتطوُّر والثراء مبلغَه - فإن هذا ليس ميزانًا لبقائها، ونصْرِها وسيادتها على العالم!
فقط الميزان:
"إن الله ليَنصر الدولة الكافِرة العادلة، على الدولة المُسلمة الظالمة"!
الاغترار بالحفْظ والمحفوظ، والمال المَكنوز والمدفون، والرُّتَب والدرجات... لا تُغني عنك شيئًا في ميزان مَن في السماء إن لم يُوافق قولَك عملُك.
فالميزان: ما كان في القلب فهو محلُّ نظر الله!
فما رَجَح أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه إلا بشيء وقَر في قلبه، وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله، دلَّني على عمل إذا عملته دخلتُ الجنة قال: ((تعبد الله لا تُشرك به شيئًا، وتُقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدِّي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان))، قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد على هذا شيئًا أبدًا ولا أنقص منه، فلما ولَّى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن سرَّه أن يَنظر إلى رجل مِن أهل الجنة فليَنظر إلى هذا)).
فما رفَع أبا بكر إلا إيمان وقر في قلبه، وما أدخل الأعرابيَّ الجنة إلا صدق وإخلاص في نفسه.
الميزان: يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ((من قال: لا إله إلا الله صدقًا مِن قلبه، دخل الجنة))، وفي رواية: ((خالصًا مِن قلبه)).
الميزان ليس: كم مِن الكتب حفظتَ، أو كم مَشروعًا أنجزت، أو كم شهادةً حصلت، أو كم أموالاً جنَيت، أو كم مؤلفات ألفْتَ؟
فقط الميزان: ما الذي وقر في قلبك، وكيف علاقتك مع ربك؟
الإسلام دينٌ إلهيٌّ سماويٌّ فتح للناس الأبواب، فحث على العمل وعدم التواكُل، فقال الله: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا ﴾ [التوبة: 105]، وقال في موضع آخر: ﴿ فَامْشُوا ﴾ [الملك: 15]، وقال في موضع آخر: ﴿ فَانْتَشِرُوا ﴾ [الجمعة: 10]، وقال في موضع آخر: ﴿ فَاسْعَوْا ﴾ [الجمعة: 9]، وقال في موضع آخر: ﴿ وَأَعِدُّوا ﴾ [الأنفال: 60]، وقال في موضع آخر: ﴿ سَابِقُوا ﴾ [الحديد: 21]، وقال في موضع آخر: ﴿ وَسَارِعُوا ﴾ [آل عمران: 133]، كلها دلالة على العمل والجد والمُثابرة، وعدم الاتِّكال.
وهذا عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول: "السماء لا تُمطِر ذهبًا" لسان حاله: اعمل وكدَّ واتعب واجتهد، "ومن جدَّ وجَدَ، ومَن زرَع حصد".
والميزان:
وما نَيلُ المطالب بالتمنِّي ولكن تُؤخَذُ الدُّنيا غِلابا
الإسلام حثَّ على العمل، وفتَح الأبواب للكسب والمعاش، "وما كان لله سيَبقى"، فالصادِق والمُخلِص علم أن المال إنما هو وديعة، فتصدَّقَ وأعطى، وفعَل الخيرات التي قرَّبته إلى الله زُلفى،وغرق مَن غرق في مُستنقَع الشيطان، فتلاطمتْ به الأمواج مِن كلِّ مكان، فأصبح من عبّاد المال والجاه والسلطان، فسخَّرَ قلمَه للسبِّ والشتم والطعن في عرض المصطفى وأزواجه، وأصحابه وقرآنه، جاهلاً ربما أو مأجورًا مِن قِبَل حقَدةٍ، هدفهم هو تشويه الإسلام، وسخَّر مالَهُ لنَشرِ هذه الدعايات والأكاذيب، ولا يعلم كسب ماله أمنْ حلالٍ هو أم من حرام؟!
والميزان: مَن عمل خيرًا وجد، ومن عمل شرًّا فبيده كسب.
الميزان السماوي أوضحَ لنا المعالم التي نسير عليها، والخطط التي نمشي وَفقها، والأسس التي نمشي على إثرها، ليس حذو القُذَّة بالقذة، ولكن معالم وعلامات نهتدي بها؛ فقال الله: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ﴾ [التوبة: 105]، وقال: ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ﴾ [الحج: 77].
وقال: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، وقال الحبيب صلوات الله وسلامه عليه: ((اعملوا؛ فكل ميسَّر لِما خُلقَ له))، وقال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا مِن ثلاث....)).
دخلت بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل الجنة لأنها سقت ***ًا، رجل يتقلَّب في الجنة بغصن أبعده من طريق المسلمين، رجل في ربض (مكان) في الجنة لأنه ترك الجدال وهو محقٌّ، رجل برفقة الحبيب صلوات الله وسلامه عليه في الجنة وكالإصبعين الوسطى والسبابة وذلك لكفالته يتيمًا، رجل حَفظَ لسانه وفرجَه عن الحرام ضمن له الحبيب الجنة....
الميزان: رب عمل صغير كبَّرتْه النيَّة، ورب عمل كبير صغَّرته النية.
خالد رضي الله عنه تتكسَّر في يده سبعة أسياف ولم تبقَ في يده إلا صفيحة يَمانية ثم يموت على فراشه وهو يقول: "وها أنا أموت كما تموت النساء" وهو سيف الله المسلول!
صحابي يسأله الحبيب صلوات الله وسلامه عليه، ((سلني؟)) فقال: أسألك مرافقتك في الجنة!
وفي الحديث: ((إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس؛ فإنها أعلى الجنة)).
إذا غامرت في أمر مروم فلا تقنَعْ بما دُونَ النُّجومِ
فطعمُ الموتِ في أمرٍ **** كطعم الموت في أمرٍ عَظيمِ
الميزان: على قدر الهمَّة يكون الهدف، وعلى قدر العزيمة يتحقَّق المُراد.
مهما وصل بك الحال في رتب التميُّز، ودرج التفوق، وبلغت ذروة المجد، وحصلت على ما اشتهت نفسك، وتمنَّى قلبك، كل هذا يَجعلك في نظر الناس - ما دمت متواضعًا - إنسانًا ناجحًا، وشخصًا مُجدًّا، "ومَن تواضَعَ لله رفعه"، وإن أنت أتْبعت هذا كبرًا وغرورًا، صرْت في عيونهم سيئًا.
لأن الميزان:
تواضعْ تكن كالنَّجم لاحَ لناظر على صفَحاتِ الماء وهْو رفيعُ
ولا تكُ كالدُّخان يَعلو بنفسه على طبقات الجوِّ وهو وضيع!
لكل فعل ردَّة فعْل؛ فحب الناس لك ناتج عن فعلٍ فعلتَه مِن أجلهم، فالناس عبثًا لا تَبتسِم إلا لمن زرع البسمة في وجوهِهم.
تبسمت في وجوههم، نصحتَهم، قضيت حاجاتهم، سدَّدت ديونهم، علَّمتهم، أمطت الأذى من طريقهم... كنتَ محبًّا لهم، فتبسَّمت لك شفاههم، وانشرحَت لك قلوبهم.
والميزان:
((خير الناس أنفعهم للناس)).
قمتَ بواجبك على أكمل وجه، فعبدتَ ربك موحِّدًا له لا شريك له، أقمت ما افترض عليك، نزَّهت نفسك عن الآثام والمظالم، ابتعدتَ عن مَحارِمِ الله وكنت من المتقين، حينها تَكون من أهل الجنان.
والميزان: مَن كان مع الله كان الله معه.
وصلى الله وسلم على سيدنا وعلى آله وصحبه وسلم...
hgld.hk hgslh,d hgHp.hk hgslh,d
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|