قوله: (حدثنا يحيى)
هو القطان، وأبو التياح بمثناة وتحتانية ثقيلة وآخره مهملة،
والإسناد كله بصريون.
قوله: (البركة في نواصي الخيل)
كذا وقع، ولا بد فيه من شيء محذوف يتعلق به المجرور وأولى ما يقدر
ما ثبت في رواية أخرى فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي
بن شعبة بلفظ " البركة تنزل في نواصي الخيل " وأخرجه من طريق
ابن مهدي عن شعبة بلفظ " الخير معقود في نواصي الخيل " وسيأتي
في علامات النبوة من طريق خالد بن الحارث عن شعبة بلفظ حديث عروة
البارقي إلا أنه ليس فيه " إلى يوم القيامة " قال عياض إذا كان في
نواصيها البركة فيبعد أن يكون فيها شؤم، فيحتمل أن يكون الشؤم الآتي
ذكره في غير الخيل التي ارتبطت للجهاد وأن الخيل التي أعدت له هي
المخصوصة بالخير والبركة أو يقال الخير والشر يمكن اجتماعهما في
ذات واحدة، فإنه فسر الخير بالأجر والمغنم، ولا يمنع ذلك أن يكون ذلك
الفرس مما يتشاءم به.
قلت: وسيأتي مزيد لذلك بعد ثلاثة أبواب، قوله: (الخيل) المراد بها
ما يتخذ للغزو بأن يقاتل عليه أو يرتبط للأجل ذلك لقوله في الحديث الآتي
بعد أربعة أبواب " الخيل ثلاثة " الحديث، فقد روى أحمد من حديث
أسماء بنت يزيد مرفوعا " الخيل في نواصيها الخير معقود إلى يوم
القيامة، فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليه احتسابا كان شبعها
وجوعها وريها وظمؤها وأرواثها وأبوالها فلاحا في موازينه يوم القيامة
" الحديث، ولقوله في رواية زكريا كما في الباب الذي يليه " الأجر
والمغنم " وقوله الأجر بدل من قوله الخير، أو هو خبر مبتدأ محذوف أي
هو الأجر والمغنم، ووقع عند مسلم من رواية جرير عن حصين " قالوا:
بم ذاك يا رسول الله؟ قال: الأجر والمغنم " قال الطيبي: يحتمل أن يكون
الخير الذي فسر بالأجر والمغنم استعارة لظهوره وملازمته، وخص
الناصية لرفعة قدرها وكأنه شبهه لظهوره بشيء محسوس معقود على
مكان مرتفع فنسب الخير إلى لازم المشبه به وذكر الناصية تجريدا
للاستعارة، والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة قاله
الخطابي وغيره.
قالوا: ويحتمل أنما يكون كني بالناصية عن جميع ذات الفرس كما يقال
فلان مبارك الناصية، ويبعده لفظ الحديث الثالث، وقد روى مسلم من
حديث جرير قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية
فرسه بإصبعه ويقول " فذكر الحديث، فيحتمل أن تكون الناصية خصت
بذلك لكونها المقدم منها، إشارة إلى أن الفضل في الإقدام بها على العدو
دون المؤخر لما فيه من الإشارة إلى الأدبار، واستدل به على أن الذي
ورد فيها من الشؤم على غير ظاهره، لكن يحتمل أن يكون المراد هنا
جنس الخيل، أي أنها بصدد أن يكون فيها الخير، فأما من ارتبطها لعمل
غير صالح فحصول الوزر لطريان ذلك الأمر العارض، وسيأتي مزيد
لذلك في مكانه بعد أبواب.
قال عياض: في هذا الحديث مع وجيز لفظه من البلاغة والعذوبة
ما لا مزيد عليه في الحسن، مع الجناس السهل الذي بين الخيل والخير.
قال الخطابي: وفيه إشارة إلى أن المال الذي يكتسب باتخاذ الخيل من خير
وجوه الأموال وأطيبها، والعرب تسمى المال خيرا كما تقدم في الوصايا
في قوله تعالى
{ إن ترك خيرا الوصية }
وقال ابن عبد البر: فيه إشارة إلى تفضيل الخيل على غيرها من الدواب،
لأنه لم يأت عنه صلى الله عليه وسلم في شيء غيرها مثل هذا القول،
وفي النسائي عن أنس بن مالك " لم يكن شيء أحب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الخيل".
اللهم صلى و سلم و بارك علي عبدك و رسولك
سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين