09-07-2018, 08:24 AM
|
|
|
|
فضل جبل أحد وبيان معجزاته صلى الله عليه وسلم
فضل جبل أحد وبيان معجزاته صلى الله عليه وسلم
يظهر هذا في قول النبي: ((اثبُتْ أُحُد؛ فإنما عليك نبيٌّ وصدِّيق وشهيدان))، فإن من الغيب
الذي أخبر الله به نبيَّه صلى الله عليه وسلم قوله: ((اثبُتْ أُحُد؛ فإنما عليك نبيٌّ وصدِّيق وشهيدان))
الشهيدان المقصودان في هذا الحديث هما: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، والصدِّيق
هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، يُوضِّح ذلك ما رواه البخاري عن قتادة أن أنس بن مالك
رضي الله عنه حدَّثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صعِد أُحُدًا وأبو بكر وعمر وعثمان
فرجَف بهم، فقال: ((اثبُتْ أُحُد؛ فإنما عليك نبيٌّ وصدِّيق وشهيدان)).
وقد تحقَّق ما قاله صلى الله عليه وسلم؛ فقد قُتِل عمرُ في محراب رسول الله
شهيدًا، وقُتِل عثمان شهيدًا رضوان الله عليهم أجمعين.
ويُستفاد من الحديث: فضل جبل أُحُد، وبيان معجزاته صلى الله عليه وسلم، المتضمِّنة:
تكليمه للجمادات، كما حنَّ الجِذْعُ إليه، وسلَّم الحَجَرُ عليه، بأبي هو وأمي صلوات الله عليه.
((اثبُتْ أُحُد)) وهذا لفظ نبوي؛ أي: إن القائل: هو نبيُّنا صلى الله عليه وسلم.
والغيب الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: غيب أخبر الله به نبيَّه صلى الله عليه وسلم مما قد سلف في غالب الأزمان
كإخباره بما قصَّ الله عليه من نبأ يوسف وإخوته، وأهل الكهف، وقوم نوح، وعاد، وغيرهم.
والثاني: خبر يخبر عنه صلى الله عليه وسلم ممَّا وقع في حياته؛ كإخباره صلى الله عليه وسلم عن صرعى بدر.
والثالث: إخباره صلى الله عليه وسلم عن أمور تقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
وهذا يندرج تحت الحديث الذي بين أيدينا.
النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلَّا ما أطلعه الله عليه:
لا يعلم الغيب إلَّا الله وحده؛ وإنما يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم من الغيب ما أطلعه الله عليه
مما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهَّرة؛ من أمور الجنة والنار، وأحوال القيامة، وغير ذلك مما
دلَّ عليه القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة؛ كأخبار الدجَّال وطلوع الشمس من مغربها
وخروج الدابة، ونزول المسيح عيسى ابن مريم في آخر الزمان، وأشباه ذلك؛ لقول الله عز وجل:
﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 65]
وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾ [الأنعام: 50]
وقوله سبحانه: ﴿ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ
إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188].
وقد صحَّ عن رسول الله في أحاديث ما يدل على أنه لا يعلم الغيب، منها ما ثبت في جوابه
لجبريل لما سأله عن الساعة، قال: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل))، وقال في الحديث:
((خمس لا يعلمهنَّ إلَّا الله...))، ثم تلا قوله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ﴾ [لقمان: 34]
ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام لَمَّا رمى أهلُ الإفك عائشةَ رضي الله عنها بالفاحشة، لم يعلم
براءتها إلا بنزول الوحي كما في سورة النور، ومنها أنه لما ضاع عقد عائشة في بعض الغزوات
لم يعلم صلى الله عليه وسلم مكانه، وبعث جماعةً في طلبه فلم يجدوه، فلما قام بعيرُها وجدوه تحته.
قال عليه الصلاة والسلام: ((اثبُت أُحُد))، فأُحُد: جبل سُمِّي بذلك لتفرُّده عن الجبال، يقع في شمال
المدينة المنورة، وهو جبل مبارك، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((أُحُد جبلٌ يحبُّنا ونُحبُّه)).
هذا الجبل صعِده النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان؛ الخلفاء
الراشدون بعده، فلما صعِدوا إلى الجبل رجَف بهم، والسؤال: لِمَ رجف الجبلُ بهم؟
قال العلماء في تعليل ذلك: إن الجبل رجف فرحًا بمن رَقِيَه من الشُّرفاء.
ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الخَلْق، وأصحابه أشرف الناس بعد الأنبياء والمرسلين
فالجبل فرِح فسكَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بقدَمِه، وقال: ((اثبُتْ أُحُد))، ثم قال صلوات الله وسلامه عليه:
((فإنما عليك نبيٌّ - يعني: نفسه عليه الصلاة والسلام - وصدِّيقٌ -يقصد: أبا بكر- وشهيدان))
وهذا من الغيب؛ لأن عمر وعثمان آنذاك لم يُقتُلا؛ وإنما أخبر صلى الله عليه وسلم أنهما
شهيدان دلالةً على أنهما سيموتان شهيدين، وقد وقع بعد ذلك كما سيأتي.
وهذا الحديث النبوي فيه دلالات مستفيضة يمكن طرقُها من عدة جوانب؛ منها:
أن الله جل وعلا ألْهَم بعض الجمادات حُبَّ نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس جبل أُحُد بأوَّلها
ولا بآخِرها؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب كثيرًا مُتَّكئًا على جذع نخلة في مسجده الشريف
صلوات الله وسلامه عليه، وهو موضع المنبر اليوم، ثم بعد فترة صُنِع له منبر له ثلاث درجات
فكان صلى الله عليه وسلم يرقى هذا المنبر المصنوع من أعواد ليخطب الناس، ويكون مشرفًا من مكان
عالٍ، فأوَّل يوم ارتقى صلى الله عليه وسلم فيه المنبر، أحدث الجذع صوت حنينٍ وشوقٍ إلى خير
سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، هذا كله والصحابة ينظرون فنزل عليه الصلاة والسلام إلى الجذع
وسكَّنه، ثم عاد عليه الصلاة والسلام وخطب، ولهذا يُقال: حنَّ الجِذْعُ إليه صلوات الله وسلامه عليه.
ذكر بعض الأحداث التي وقعت في غزوة أحد:
وفي أُحُد الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي بين أيدينا: ((اثبُتْ أُحُد))
وقعت غزوة أحد؛ وهي غزوة وقعت - كما هو معلوم - بعد بَدْر في السنة الثالثة، وفيها وقعت
أحداثٌ عِظامٌ؛ منها: شجُّ رأسه الشريف صلى الله عليه وسلم، وكسْرُ رَباعيَتِه، وسَيلان الدم على وجنتيه.
وكفى بذلك حدثًا في تلك المعركة، كما أنه قُتِل في تلك المعركة عمُّه حمزة، وحمزة من أحبِّ الناس
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتَله الوحشيُّ وهو غلامٌ لبعض بني أُميَّة.
كما وقع في تلك المعركة قتلٌ كثيرٌ للصحابة، فقد وصل عددُهم إلى سبعين شهيدًا؛ قال الله جل وعلا
في القرآن: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ﴾ [آل عمران: 140]، وقال:
﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا ﴾ [آل عمران: 165]، فالنبي صلى الله عليه وسلم
قُتِل من أصحابه يوم أحد سبعون، وكانوا قد قتلوا في يوم بدر سبعين، وأسَرُوا سبعين
ولعلَّ هذا من أقرب المعاني لقول الله جل وعلا: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا ﴾ [آل عمران: 165].
في أُحُد كذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يَدفنوا شهداءهم في أرض المعركة وإلى اليوم
ما تزال القبور باقيةً بجوار الجبل، والنبي عليه الصلاة والسلام قبل أن يموت لما شعَر بدنُوِّ أجلِه
وقُرْب رحيله، أتى إلى هؤلاء الشهداء الكرام، فسلَّم عليهم، واستغفَر لهم
ودعا لهم كالمودِّع، من باب الوفاء معهم، وهذا من دلائل عظيم وفائه صلى الله عليه وسلم
لمن بذلوا الْمُهَجَ والنفوس والدماء من أجل نصرة دينه صلوات الله وسلامه عليه.
إن تلك الأنفُس كانت عظيمةً جليلةً، بذلت دماءها وأرواحها وأنفُسَها من أجل نصرة دين الله جل وعلا
فقام نبيُّ الأُمَّة ورأس الملَّة وسيد الأُمَّة صلى الله عليه وسلم وهو يشعُر بدنوِّ الرحيل وقُرب الأجل
ومُفارقة الدنيا إلى ذلك الموضع، فسلَّم على أهله واستغفر لهم؛ ليكون بعد ذلك سُنَّة، وإلى اليوم في مدينة
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدِّم الناس والزوَّار لزيارة شهداء أُحُد اتِّباعًا لسُنَّة نبيِّنا صلوات الله
وسلامه عليه، ونحن نعلم أن أهل تلك القبور لا يملكون لنا ولا لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، لكنها سنة
يُؤدَّى لهم فيها بعض الواجب، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
استشهاد عمر رضي الله عنه كما أخبر النبي الكريم:
فقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيموت شهيدًا، وقد مات شهيدًا؛ طعنه
أبو لؤلؤة المجوسي كما هو معروف مشهور في محراب نبيِّنا صلى الله عليه وسلم.
وقد كان عمر يقول قبل أن يُقتَل: اللهم إني أسالك شهادةً في سبيلك وميتةً في بلد رسولِكَ،
ويُقال: إن بعض الصحابة وبعض مَنْ حولَه من التابعين كانوا يُنازعون عمر رضي الله عنه في هذه الكلمة
ويقولون: يا أمير المؤمنين، إن الشهادة مظانُّها ساحاتُ الجهاد وليست في المدينة؛ لأن المدينة ديار إسلام محميَّة
ليس فيها كُفَّار، أو ليس فيها محاربون من أهل الكُفْر؛ لكن عمر كان يصرُّ على دعائه.
وقد أعطاه الله جل وعلا لصدق نيَّته وعظيم جهاده ما تمنَّاه، فمات شهيدًا في محراب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحقَّق له ما أراد رضي الله عنه وأرضاه.
استشهاد عثمان رضي الله عنه كما أخبر النبي الكريم:
فقد قُتِل في المدينة؛ قتله الخوارج بعد أن تسوَّرُوا دارَه وقتلوه، فهو أمير البَرَرة
والذين قتلوه فَسَقةٌ فَجَرةٌ، ويصعُب أن نقول بكفرهم، وإن كان بعض أهل العلم
قد يُكفِّر مَنِ استحلَّ دمَه، فعثمان رضي الله تعالى عنه مات شهيدًا.
والمقصود أن هذا بعض الغيب الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنهم ماتوا شهداءَ كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه.
جبل أُحُد من أبرز الأماكن المعطَّرة بالسيرة النبوية:
يعتبر جبل أُحُد من أبرز الأماكن التاريخية الخالدة والمعطَّرة بالسيرة النبوية وأحداثها؛ حيث شهِد
جبل أُحُد الكثيرَ من الأحداث العظيمة التي قد صاحبت ولادة فَجْر الدعوة الإسلامية منذ هجرة
النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة المنورة، وقد دارَتْ أحدات معركة أُحُد في السنة الثالثة
من الهجرة أيضًا، ويحرِص زُوَّار المدينة المنورة دائمًا على زيارة "جبل أُحُد"؛ لأنه يضمُّ الكثير من الآثار
منها مقبرة الشهداء التي تضمُّ 70 صحابيًّا قد استشهدوا أثناء المعركة.
موقع جبل أُحُد:
جبل أُحُد هو أحد الجبال المطلَّة على المدينة المنورة من الجانب الشمالي، ويفصله عنها مسافة ثلاثة ميل
ولكن هذه المسافة بدأت بالتناقُص تدريجيًّا مع التوسُّع العمراني المستمر باتِّجاه الجبل، ويمتدُّ جبل أُحُد
كسلسلة جبلية من الجانب الشرقي نحو الجانب الغربي، ثم ينحرف قليلًا نحو الجانب الشمالي
ويظهر جبل أُحُد مانعًا طبيعيًّا على شكل سلسلة من الشرق إلى الغرب مع ميل نحو الشمال من المدينة المنورة
بطول سبعة كيلومترات، وعرض ما بين 2 كيلومترات، وبارتفاع يصل إلى 350 مترًا.
وبجبل أُحُد العديدُ من الكهوف والشقوق التي يتجاوز ارتفاع بعضها مترًا ونصفًا، وعمقها عشرة أمتار
ويمتدُّ جبل أُحُد على طول 7 كيلو مترات بارتفاع يصل إلى 1077 مترًا، ويفصل الجبل
عن المسجد النبوي مسافة 5 كيلو مترات، ويحده من الجانب الشمالي الغربي جبلي تيأب وثور
ومن الجانب الجنوبي الغربي جبل الرماة.
ويقع جبل أُحُد شمالي المدينة، ويبعد عن المسجد النبوي 4 كيلو مترات، محيطه يقرب من 16 كيلو مترًا
من الناحية الجنوبية، يمتدُّ من الشرق إلى الغرب 3 كيلو مترات، ومن الناحية الشمالية يمتدُّ
من الشرق إلى الغرب 7 كيلو مترات، وعرضه شرقًا 2 كم وغربًا 4 كيلو مترات.
من فضائل جبل أُحُد:
عن أنس بن مالك عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، أنه قال
عن جبل أُحُد: ((هذا جبل يحبُّنا ونُحبُّه))؛ متفق عليه.
غزوة أُحُد:
وقعت غزوة أُحُد في سفوحه الجنوبية؛ ولذلك سُمِّيت غزوة أُحُد، وكان جبل أُحُد
عن يمين جيش النبي صلى الله عليه وسلم، وجبل الرماة عن يساره.
فقد شهِد جبل أُحُد غزوة أُحُد بين المسلمين وكفار قريش في العام الثالث من الهجرة
وتحديدًا في الجانب الجنوبي الغربي من الجبل على مَقربة من جبل الرماة، وقد خسِر المسلمون
في هذه الغزوة بسبب مخالفة الرماة لأوامر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؛ حيث أمرهم
بالوقوف على الجبل وعدم مغادرتهم مواقعهم قبل انتهاء القتال، وانتهت المعركة باستشهاد
سبعين فردًا، منهم حمزة بن أبي طالب عمُّ الرسول عليه الصلاة والسلام.
الشهداء السبعون الذين سقطوا في غزوة أُحُد:
ويضمُّ جبل أُحُد العديدَ من الآثار الإسلامية المهمة؛ كمقبرة الشهداء السبعين الذين سقطوا
في غزوة أُحُد، وكذلك الشق؛ وهو المكان الذي لجأ إليه سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام
بعد الهزيمة؛ لتفادي بطش المقاتلين من الكفار، كما يوجد على مقربة منه مسجد الفسح
وهو من المساجد التي صلى فيها النبي عليه الصلاة والسلام؛ كما ورد في بعض الرِّوايات.
سبب تسمية جبل أُحُد:
وردت تسمية جبل أُحُد (بضم الألف والحاء) في ثلاث روايات؛ هي:
1 - الرواية الأولى: تقول بأن جبل أُحُد سُمِّي بذلك؛ لتوحُّده عن الجبال، وأنه محاطٌ بالأودية والسهول.
2 - الرواية الثانية: تقول بأن جبل أُحُد سُمِّي بأُحُد نسبةً إلى رجل يُدْعى "أُحُد" من العماليق
وهم السكان الأوائل التقليديون للمدينة؛ حيث إن أُحُد انتقل إلى الجبل وسكنه، ومِن ثَمَّ سُمِّي باسمه.
3 - أما الرواية الثالثة: فتقول بأن تسمية جبل أُحُد ترجع إلى الرمز لوَحدانية الله عز وجل.
وقيل: سُمِّي الجبل بهذا الاسم (جبل أُحُد) لتوحُّده وتفرُّده، فهو غير مرتبطٍ بسلاسل جبال من حوله.
وقيل: سُمِّي بجبل أُحد لتوحُّده وانقطاعه عن غيره من الجبال، أو لِما وقع لأهله من نُصرة التوحيد
وذكر ابن شبة أنه كان يُعرف في الجاهلية باسم (عنقد)، ويقع شمال المدينة، وبسَفحه وقعتْ غزوة أُحُد.
وجبل أُحُد عبارة عن جبل صخري، ولونه ذو صبغة حمراء، وطوله من الشرق إلى الغرب يبلغ
ستة آلاف متر تقريبًا، وبه رؤوس كثيرة وهضبات متعدِّدة، وتوجد بجبل أحد المهاريس
وهي عبارة عن نقر طبيعية في الجبل لحفظ المياه المنسابة من أعاليه.
إذا تصورت مساحة هذا الجبل العظيم، فتأمَّل قوله عليه الصلاة والسلام: ((مَنِ اتَّبع جنازةَ
مسلمٍ إيمانًا واحتسابًا، وكان معه حتى يُصلَّى عليها، ويَفْرُغ من دَفْنِها، فإنه يرجِع من الأجر بقيراطين
كل قيراط مثل أُحُد، ومَنْ صلَّى عليها، ثم رَجَعَ قبل أن تُدْفَن، فإنه يرجِع بقيراط))؛ متَّفق عليه.
وفي رواية: ((مَنْ صلَّى على جنازةٍ، ولم يتَّبِعْها فله قيراطٌ، فإنْ اتَّبَعها فله قيراطان)
قيل: وما القيراطان؟ قال: ((أصْغَرُهما مثل أُحُد)).
فتصوَّرْ عظيم هذا الأجر، من أجل ذلك لَمَّا قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول:
سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ تبِع جنازةً، فله قيراطٌ من الأجْر))
فقال ابن عمر: أكثر علينا أبو هريرة، فبعَث إلى عائشة، فسألها فصدقتْ أبا هريرة
فقال ابن عمر: "لقد فرَّطْنا في قراريطَ كثيرةٍ"؛ متفق عليه.
فكم هي القراريط التي فرَّطْنا فيها؟ وكم هي الحَسَنات أمثال الجبال التي ضيَّعناها؟
مقبرة شهداء أُحُد من الصحابة:
بجبل أُحُد قبور سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهدوا في معركة أُحُد
وفي مقدِّمتهم عمُّه حمزة بن عبدالمطلب، ومصعب بن عمير، وعبدالله بن جحش، وحنظلة بن أبي عامر
(حنظلة الغسيل)، وعبدالله بن جبير، وعمرو بن الجموح، وعبدالله بن حرام رضي الله عنهم أجمعين
وكان استشهادُهم في شوال سنة ثلاث من الهجرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهَّدُهم بالزيارة
بين الحين والآخر؛ فعن طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يريد قبور الشهداء، حتى إذا أشرَفنا على حرة (واقم)، فإذا قبور، فقلنا: يا رسول الله، أقبور إخواننا هذه؟
قال هذه قبور أصحابنا، فلما جِئْنا قبور الشهداء، قال: ((هذه قبور إخواننا))؛ (رواه أحمد وأبو داود)
وروى البخاري عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى
أُحُد بعد ثماني سنين كالمودِّع للأحياء والأموات؛ ولذا يستحَبُّ زيارة شهداء أُحُد والسلام عليهم.
جبل أُحُد كانت له علاقة محبَّة خاصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، علاقة
وُدٍّ ومحبَّة، قال عليه الصلاة والسلام: ((أُحُد جبلٌ يحبُّنا ونُحبُّه))؛ رواه البخاري.
أُحُد جبل كان يُكلِّمُه رسول الله، فيستجيب ويُذعِن ويُطيع، ارتجف يومًا، فقال له:
((اثبُتْ أُحُد؛ فإن فوقَك نبيٌّ وصدِّيق وشهيدَينِ))؛ رواه البخاري.
يا ترى: هل نكون مثل الجبل نسمع ونُطيع لسيدنا وقُدْوتنا وشفيعنا؟
هذا الجبل يحمل ذكريات فصَّلها العلماءُ في مجلدات ضخمة ومواعظ، هنا ضُرِبَ وجُرِحَ خيرُ خَلْقِ الله
هنا سال أشرفُ دمٍ على أشرف جبل، هنا كُسِرَت رَباعيَتُه، هنا كاد أن يُقتَل، هنا دعا لقومه
بدل أن يدعو عليهم: ((اللهُمَّ اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون)).
هنا دروس من التضحية، دروس من التفاني في الحُبِّ، دروس من الوفاء والشجاعة.
هنا برزت شخصيات عظيمة؛ مثل: "أم عمارة نسيبة بنت كعب"، و"أبو دجانة"، و"حنظلة" غسيل الملائكة
و"طلحة بن عبيدالله"، و"حمزة بن عبدالمطلب"، و"مصعب بن عمير"، و"عبدالله بن جحش"، فخلَّد التاريخ ذِكْرَهم.
وهناك أمام جبل أُحُد (جبل الرماة)، والموعظة العظيمة التي لا يزال يحملها ويتذكَّرها كلُّ مَنْ وَقَع
بصرُه عليه من معركة أُحُد إلى اليوم: الطاعة، فالطاعة هي المنجية في الدنيا والآخرة، والنصر
لا يكون إلَّا بالطاعة، من هنا جاءت الهزيمة بسبب المعصية، والمعصية لا تأتي إلَّا بالهزائم، وهذا قانون إلهي
لا يُحابي أحدًا؛ لأن الجواب من الله كان: ﴿ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165].
السلام على شهداء أُحُد، أولئك الذين تألَّم على فِراقِهم خيرُ خَلْق الله، وعلى رأسهم سيد الشهداء
عمُّه وأخوه من الرضاعة، حمزة صائد الأسود، حمزة الذي كان سبب دخوله الإسلام غَيْرته
على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
سلامٌ عليكم شهداءَ أُحُد، سلامُ الله عليكم أحبابَ رسولِ الله وصحابته الكِرام
أشهدُ أنكم جاهدتم في الله حقَّ جهاده، ودافعتُم عن كلمة التوحيد، وفديتُم رسول الله
بأرواحِكم، أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون.
لماذا اهتزَّ جبل أُحُد تحت قدم النبي صلى الله عليه وسلم؟
في حال وقوف رسول الله عليه، فإن جبل أُحُد يسمَع ويعقِل ويُحبُّ، وسمِع كلامه:
((اثبُت أُحُد))، وأطاع أمره، فسكن وثبَت.
قال ابن حجر: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خاطبه مخاطبةَ مَنْ يعقِل
فقال لما اضطرب : (اسكن أُحُد))، فها هو رسول الله يتحدَّث عن أُحُد، وهو جبل أُحد
والذي كان له نصيب من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
د. محمود عبدالعزيز يوسف
tqg [fg Hp] ,fdhk lu[.hji wgn hggi ugdi ,sgl hggi ugdi ,fdhk
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
3 أعضاء قالوا شكراً لـ شموع الحب على المشاركة المفيدة:
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 07:12 AM
|