وبعد:
فإنَّه من باب قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الدِّينُ النَّصيحة))، فالنصيحة من الدِّين، وهي مِن واجبات المسلِم على أخيه المسلِم؛ ولهذا أردتُ أن أكتبَ هذه الكلمات أُذكِّرُ بها نفسي وإخواني، وهم مُقبِلون على سَنةٍ دراسيَّة جديدة، فأنصحهم بالمطالعةِ، وكثرةِ الاطّلاع والقراءة، فنحن أمَّة اقرأ:
للقراءة فوائدُ كثيرةٌ لا تُحصى، وصاحب الهمَّة العالية والطموحات الراقية صَدِيقُه الأول وجليسه الأمثل الكتاب، فهو مَنبعُ العِلم، ووسيلة أكيدةٌ لتحصيلِ العلوم، وممَّا يجعل النفسَ أن تميل إلى القراءة، ولكي يكونَ الكتاب محبَّبًا للنفوس ونافعًا للعقول هو حُسنُ اختيار وانتقاء الكُتب ومواضيعها.
والحمد لله، انتشرَ الكتابُ بجميع أشكاله وأنواعه، وفي شتَّى المواضيع النافعة، بالإضافة إلى تلك الكتب المُطوَّلة والمختصرة والمحقَّقة والمترجمة.. إلخ، ناهيك عن تلك الكتب الإلكترونيَّة المتوفِّرة على الشبكة الإلكترونيَّة.
فلا عُذرَ لأحد منَّا في التخلُّف عن ثقافة القِراءة والاطلاع بحجَّة قِلَّة الكتب، وقلة المصادر والمراجع.
فعلى المسلِم أن يجعلَ للقراءة نصيبًا وافرًا في حياته اليوميَّة، وتذكَّر أنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومُها وإنْ قلَّ.
فهذا الإمام الجليل ابنُ المبارك يفتقده أصحابُه في مجلسِه، فقيل له مرَّة: ما لكَ لا تُجالسنا؟ فقال ابن المبارك: أنا ذاهبٌ، فأجالس الصحابةَ والتابعين، وأشار بذلك إلى أنَّه ينظر في كتبه.
ولله دَرُّ الشاعر حيث قال:
مَا تَطَعَّمْتُ لَذَّةَ الْعَيْشِ حَتَّى صِرْتُ لِلْبَيْتِ وَالْكِتَابِ جَلِيسَا
لَيْسَ شَيْءٌ أَعَزَّ عِنْدِي مِنَ الْعِلْ مِ فَلاَ تَبْغِي فِي سِوَاهُ أَنِيسَا
وإذا تأمَّلتَ في بعض مواقف السِّيرة النبويَّة تـجد اهـتمامًا كبيرًا جدًّا بالقراءة، فمِن هذه المواقف موقفُ فداء الأسرى في بدر.
كان الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَطلُبُ من الأسير الذي يُريد فِداءَ نفسه من الأسر تعليمَ عشرة من المسلمين القراءةَ والكتابة.
فهذا يُبيِّن- أخي الكريم - مدى ضرورةِ واحتياج الأمَّة إلي القراءة في تلك الفترة، وأنَّها مِن الأولوياتِ في ذلك الوقت العصيب الذي انتشرتْ فيه الأميَّة.
وأخيرًا:
نختم بذِكْر وسيلة هي مِن أهمِّ الوسائل المعينة علي حبِّ القراءة وكثرة الاطلاع، ألاَ وهي استحضار النيَّة، فتكون القراءة طاعةَّ لله - عزَّ وجلَّ - فقد قال - سبحانه - بصيغة الأمر: {اقْرَأْ} [العلق: 1].
هذه كلماتٌ سريعة، ونصيحةٌ أُذكِّر بها نفسي؛ لعلَّ الله ينفعنا بها، إنَّه بكلِّ جميل كفيل، وهو حسبُنا ونِعمَ الوكيل.