قال بعض الفضلاء:
كان لي صديق طيِّب القلْب، لا تخطئه صلاة في المسجد، يعين إخوانه ويخفض جناحه لهم، يحسن إلى المحتاج، وتراه سابقًا إلى كل خير.
مريضًا كان بسحر عظيم، وأسأل الله أن يحفظ المسلمين.
*** جن مربوط إليه بالسلاسل لا يفارقه، وإذا دخل في الصلاة صرعه وجعله يصدر عواء ونباحًا، وقد يغمى عليه من شدته، رأيت هذا بعيني مرارًا، وأنا أرثي له.
طاف على المعالجين، واستعمل ما وصل إليه من الوسائل حتى شفاه الله - عز وجل - بعد سنين.
ولكن...
بعد أنْ تَمَّ له الشفاء أصابتْه الانتكاسة، وحلق لحيته، وترَك الجماعة ولبس لباس الشباب الغوي، ولا أدري ما حصل له بعد ذلك!
سبحان الله! ألم يكن مرضُه الشديد هذا خيرًا له؟
سبحان الله! ما أعظمَ حكمة الله - عز وجل!
لا يستبعد أن يكون كثيرٌ من إخوان هذا الرجل قد فكَّر في الحكمة مِن ابتلاء هذا الرجل بذاك المرض، سبحان الله! لو ظلَّ هذا الرجل مريضًا لظلَّ على طريق الاستقامة ولما أصابه النكول.
قد يقول قائل: فلماذا إذًا شفاه الله إن كان في مرضِه تلك المصلحة؟
فالجواب: أن حكمة الله - عز وجل - لا يُدرَك منتهاها، ولا يحاط بغايتها ومن حِكَم هذا الأمر مثلاً أن نعلم الحكمة السابق ذكرها، وأن نعلم أن ليس كل مرض شرًّا، وفي هذا فائدة عظيمة جدًّا لنا.
سبحان الله!
لو يعلم المريض أن مرضه قد يكون خيرًا له، لما تمنَّى زواله، وخاصة إن كان فيه الثواب منصوصًا؛ كما في الحديث: ((إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه - أي: عينيه - ثم صبر، لَم أجد له ثوابًا إلا الجنة))؛ رواه البخاري.
وأما الحمَّى فهي مكفرة الذنوب؛ قال ابن القيم في "زاد المعاد": "وذكرتُ مرة وأنا محمومٌ قولَ بعض الشعراء يسبُّها: زَارَتْ مُكَفِّرَةُ الذُّنُوبِ وَوَدَّعَتْ .. تبًّا لَهَا مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وَقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِهَا: .. مَاذَا تُرِيدُ؟ فَقُلْتُ: أَلاَّ تَرْجِعي
فقلتُ: تبًّا له إذ سبَّ ما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سبِّه، ولو قال: زَارَتْ مُكَفِّرَةُ الذُّنُوبِ لِصَبِّهَا .. أَهْلاً بِهَا مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وَقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِهَا: .. مَاذَا تُرِيدُ؟ فَقُلْتُ: أَلاَّ تُقْلِعِي
لكان أولى به، ولأقلعتْ عنه، فأقلعت عنِّي سريعًا".
سبحان الله!
لو يعلم الفقير أنَّ الله قد حجَب عنه المال كي يخفف من ذنوبه، لَحمد الله على هذا الفقر كما ورد في الأثر: ((إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيتُه لفسد حاله وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لفسد حاله)).
سبحان الله!
لو يعلم المحروم من المال أن أضرار المال عظيمة، وأنه لا ينجو منها إلا أقلُّ القليل، لَمَا تهافت على هذه المعضلات، ولو علم أن الغنى الذي يتمنَّاه قد يؤول به إلى الكفر، لزاد شُكره على النجاة من هذا البلاء.
سبحان الله!
لو تعلم المرأة القبيحة أن الله قد نجَّاها من إثم الممثلات والمغنيات والراقصات لَمَا تمنت الجمال، لو تعلم أن المرأة تفتتن بجمالها أشد من فتنة الناس بها لعلمت أنها في خيرٍ عظيم، ولو علمت أن الله زوى عنها فتنة لا تصبر على الوقوع فيها، لما فتئتْ حامدة شاكرة، وقديمًا قال الشاعر العربي: وَمَا رَأَيْتُ مَكَانًا مُمْرِعًا أَبَدًا .. إِلاَّ وَجَدْتُ بِهِ آثَارَ مُنْتَجَعِ