لا شيء مثيرًا للضحك هذه الأيام أكثر من كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي أطلقها في أعقاب نقل السفارة الأمريكية للقدس قبل أشهر قال فيها: "إذا فقدنا القدس فلن نتمكن من حماية المدينة المنورة، وإذا فقدنا المدينة فلن نستطيع حماية مكة، وإذا سقطت مكة سنفقد الكعبة".
كعادة كل شعبوي يخاطب الجماهير بلغة العواطف ويُحرك مشاعرهم الملتهبة مستغلاً قضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين التي لم تستخدمها السعودية يومًا ما ورقة للمتاجرة في الأسواق السياسية، في الوقت الذي يهاجم فيه إعلام "الحمدين" ومن تخندق معهم من دول كتركيا وإيران أصحاب النزعات التوسعية وحاملي لواء كره العرب لإرهاصات تاريخية والمتعلقين بأوهام الهيمنة، السعودية ويتهمونها بالتواطئ مع إسرائيل، وهم من يصافحونها في "الظلام" ويعادونها أمام أضواء الإعلام، وما مشاركة تركيا في إطفاء نيران حيفا إلا "عودًا من حزمة التقارب بين البلدين".
اليوم مع ما تشهده تركيا من سقوط مريع للعملة وتدهور للجسد الاقتصادي والذعر الذي لحق بالمستثمرين خشية انهيار رؤوس أموالهم وتكبدهم خسائر ضخمة بسبب سياسات "حفيد العثمانيين" أصبح لسان حال الأتراك والمسلمين: "من لم يحمِ الليرة كيف يحمي مكة والمدينة"؟، فالبقاع المقدسة محمية بقيادة إسلامية ترى أن رعايتها لهذه الأماكن واجب وشرف لا مجرد سلعة للبيع والشراء، ومشغولة هذه الأيام بتنظيم أكبر مناسبة دينية يعرفها المسلمون، وغيرهم مشغول باللطم على الطريقة العثمانية!
المفارقة العجيبة يصف إعلام عزمي بشارة والهائمين بـ"تركيا الأردوغانية" كل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالدول العربية بالتخبط والمراهقة السياسية وطحن الشعوب، بينما يعتبرون عبث الرئيس التركي الذي قاد للانهيار اللامسبوق لليرة بالحرب الاقتصادية والسياسية لإذعان تركيا للحليف السابق الولايات المتحدة، فالعلاقات بين البلدين ليست في أحسن أحوالها بسبب القس الأمريكي أندرو برانسون؛ إثر فشل المفاوضات للإفراج عنه؛ وهو ما دعا ترامب لإعلان عقوبات اقتصادية عبر حسابه بـ"تويتر" على أنقرة لتلحق بطهران التي فرضت عليها واشنطن عقوبات اقتصادية قبل أيام.
والمفارقة ليست هنا فحسب؛ بل ظهر بعض المنتمين للإخوان المسلمين وطالب من ينتقدون "البلطجة الاقتصادية التركية" التي هوت بالعملة وألقت بظلالها على المستوى المعيشي والاجتماعي بالرجوع لإسلامهم ومراجعة حساباتهم، وهم الذين لم يرف رمش أعينهم لمصر عندما انهار الجنيه أمام الدولار، فهل كشفت الأزمة التركية عن النظرة الانتقائية التي لم تخرج عن إطار التعصب للحزب الإخواني؟ فإعلام "الحمدين" المشغول بمتابعة الاقتصاد السعودي وانتقاده ليل نهار للإصلاحات السعودية وإعادة صياغة بعض الأنظمة لم يكتب حرفًا عن تدهور الاقتصاد التركي، وانشغل يردد خطاب أردوغان لشعبه: "من لديه دولار وذهب يهرول سريعًا ويستبدله بالليرة التركية"!