يعد "سوق عكاظ" محطة رئيسة مهمة في تاريخ المملكة والجزيرة العربية لما يمثله من دور اقتصادي وحضاري وثقافي على مدى عصور، حيث يمثل قيمة وأهمية تتجاوز دوره الثقافي كنشاط موسمي وسياحي وتراثي كفعالية وطنية مهمة إلى أدوار أعمق تتمثل في مكانته التاريخية والحضارية، ما يجعل إحياءه والاهتمام به هو إبراز للبعد الحضاري للمملكة، وهذا هو أحد الأهداف الرئيسة للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
وكان سوق عكاظ أكبر أسواق العرب في الجاهلية والإسلام، وأشهر ملتقى للتجارة والفكر والأدب والثقافة المتنوعة للقبائل العربية، والوافدين إلى السوق من أنحاء الجزيرة العربية، يحضره فحول الشعراء، والخطباء، والأدباء، ويمارس فيه رواد السوق الألعاب الرياضية ومنها الفروسية والعدو والرمي. كان للعرب أسواق موسمية في أوقات محددة في مواقع مختلفة في أنحاء الجزيرة العربية.
وتجمع المصادر التاريخية والأدبية، على أن تاريخ بداية سوق عكاظ كان في حدود عام 501 للميلاد، حيث كانت طرق التجارة قد انتظمت، وتقاطعت على جزيرة العرب مع تطور الممالك العربية في مختلف أنحاء جزيرة العرب، وكانت مكة المكرمة محجة للعرب من آلاف السنين، كما كانت مدن القوافل قد أخذت مكانتها التجارية والاقتصادية، ومنها الطائف وما ولاها.
ومن الشواهد على قِدم سوق عكاظ الارتباط الوثيق بينه وبين إيلاف قريش، وبذلك استقرت تجارة قريش مع الممالك المجاورة.
واحتلت سوق عكاظ مكاناً جغرافياً يستوعب التجارات المحلية والإقليمية والقوافل التي ترد من خارج حدود جزيرة العرب، وشكل توقيت تنظيم السوق في فترة زمنية تسبق موسم الحج، في شهر ذي الحجة، مدتها (21) يوماً.
في السيرة النبوية
وارتبطت سوق عكاظ بنشأة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ونشر الإسلام بين قبائل العرب، والدعوة لدين الله، وقد احتضنت ديار بني سعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أتت به حليمة السعدية رضي الله عنها، ليقضي طفولته في مرابع قومها في أرض رعوية إلى الشمال من مكة المكرمة، وليست ببعيدة عن موقع سوق عكاظ.
وقد جاءت به حليمة السعدية إلى سوق عكاظ عندما كان في حضانتها، حيث كانت العرب قاطبة ترد مكة أيام المواسم، وترد سوق عكاظ، ومجنة، والمجاز، وتقيم هناك الأيام الطوال.
وشهد الرسول صلى الله عليه وسلم في سوق عكاظ حرب الفِجار، وفيه يقول صلى الله عليه وسلم: "قد حضرت مع عمومتي ورميت فيه بأسهم، وما أحب أني لم أكن فعلت"، حيث حضر الرسول صلى الله عليه وسلم، سوق عكاظ صبياً، وحضرها شاباً، وحضرها بعد البعثة.
وذهب الرسول صلى الله عليه وسلم مع عمه العباس إلى عكاظ ليريه منازل أحياء العرب، فكان بعد هذا يتردد على من يتوسم فيهم مساعدته أو الاقتناع بدعوته لهم لدين الإسلام.
وقابل الرسول صلى الله عليه وسلم في عكاظ قبائل عدة كان يعرض عليهم الإسلام، ويبحث عن من يمنعه حتى يبلغ رسالات ربه، حتى بعث الله إليه الأنصار، من أهل المدينة.
وبقي سوق عكاظ مركزاً تجارياً خلال العصر الإسلامي المبكر، وكذلك محطة رئيسة على طريق الحج القادم من اليمن مروراً بنجران وعسير والحجاز.
أما موقع سوق عكاظ، المسرح الكبير، الذي شهد تجارات العرب، ووفد إليه قبائل العرب وزعمائهم، وقادتهم، وشعراؤهم وخطباؤهم، وعاداتهم وتقاليدهم، وشهد على أحداثه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بقي موضعه الجغرافي وآثاره شاهداً على تاريخ وماضٍ يتجدد، في أرض الرسالات وأرض الحرمين الشريفين، وشرف لمن أراده الله لها المملكة العربية السعودية.
إعادة الإحياء
وكان موضوع إحياء سوق عكاظ كان محل اهتمام الدولة بأعلى مستوياتها، وكانت بداية الاهتمام بإحياء السوق في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله الذي كانت لديه رغبة في إحياء سوق عكاظ، وتجديده، وقد وردت هذه الرغبة في خطاب إلى مؤسس جريدة عكاظ أحمد عبدالغفور عطار بمناسبة صدور عددها الأول.
كما أبدى الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله حين كان أميراً على الحجاز اهتماماً بالبحث في تاريخ سوق عكاظ، وتحديد موقعها، وعمل عدد من الباحثين في ذلك العصر.
وبمباركة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز - رحمه الله-، وحينما باشر صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مسؤولياته أميراً لمنطقة مكة المكرمة، تبنت إمارة المنطقة فكرة إحياء "سوق عكاظ" بعد انقطاع 13 قرناً؛ ليكون السوق أحد أهم مخرجات الإستراتيجية التنموية للمنطقة.