الصلاة المفروضة التي كتبها الله - سبحانه وتعالى - على عباده هي التي لأجلها بنيت المساجد ، وهي التي إذا قـبلت نظر في سائر عمل العبد ، وإذا ردت ردت سائر أعماله ، وإقامة الصلاة فـي الجماعة فيه منافع عظيمة .
وتفصيل ما يتـعلق بالمسـجد من أحكام هذه الصلاة ، أورده في المسائل الآتية : المسألة الأولى : حكم صلاة الجمعة بالمسجد :
فرض الله - سبحانه وتعالى - الصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بلا واسـطة ، حين عرج به إلى السـماء ، وشرع إقامة الجمعة والجـماعة بالمساجد ، فـصلاة الجـمعـة على من توفرت فـيه شروطها فرض عين ، واعتـاد المسلمون صلاتها بالمساجد ، فـيكـون أداؤها على من وجـبت عليـه بالمسجد فرض عين ؛ وذلك باتفاق العلماء - رحمهم الله تعالى - .
ومن زعم أنها فرض كـفاية تجـب بحيث يظهر الشعار ، فقد أخطأ وخالف إجماع الأئمة ، وعمل الأمة من عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا ، وقـد نسب هذا الـقول إلى الشافـعي . قال ابن القيم - رحـمه الله تعالى - : " ونسبته إليه خطأ ؛ لأنه لم يقل به " . - ص 127 - قال النووي : " حكى القاضي أبو الطيب في تعليقه ، وصاحـب الشامل ، وغيرهما عن بعض الأصحاب ، فقال : هي فرض كفاية ، وهو غلط ، واتفق القاضي أبو الطيب وسائر من حكى هذا الوجـه على غلط قائله . قال القاضي أبو إسحاق المروزي : لا يحل أن يحـكى هذا عن الشـافعي ، ولا يخـتلف أن مذهب الشـافـعي أن الجـمـعة فرض عين " .
وقال الشافعي في الأم : " ودلت السنة من فرض الجمعة على ما دل عليه كتاب الله - تبارك وتعالى - " . وقال : " والتنزيل ثم السنة يدلان على إيجاب الجـمعة " . وقال : " ومن كان مقيما ببلد تجب فيه الجـمعة من بالغ حر لا عذر له وجبت عليه الجمعة " . فهذه النصوص من الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - واضحة الدلالة في أنه لم يخالف إجماع المسلمين .
والأدلة على وجوب الجمعة ما يلي :
1- قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . - ص 128 - الشاهـد : قولة : " فاسعوا " .
وجه الدلالة :
حيث أمر الله - عز وجل - المؤمنين بالسعي للصلاة من يوم الجمعة ، وأمره للوجوب ؛ فدل ذلك على أن صلاة الجمعة واجبة .
2 - قال الله تـعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين . الشاهد : حافظوا على الصلوات
وجه الدلالة :
حيث إن الله - سبحانه وتعالى - أمر بالمحافظة على الصلوات ، والمراد بها الصلوات الخـمس ، والجمعة إحداها . فجميع الأدلة الدالة على فرضية الصلوات الخمس تشمل الجمعة .
3 - عن أبي هريرة وابن عمر - رضي الله عنهم - أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد منبره : لينتهين أقوام عن ودعـهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ، ثـم ليكونن من الغافلين . رواه مسلم ، والنسائي . - ص 129 - الشاهد : لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم .
وجه الدلالة :
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حذر المتخلفين والتاركين لـصـلاة الجمعة بختم القلوب المؤدي إلى النار ، والعـيـاذ بالله ، وهذا يدل على أن صلاة الجمعة واجبة .
4 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قـال لقوم يتخـلفون عن الجمعة : " لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ، ثـم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم . رواه مسلم . الشاهد : ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة .
وجه الدلالة :
أن رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - هدد الذين يتركون الجـمـعة بأن يـعاقـبهـم بإحراق منازلهم بالنار ؛ عقوبة لهم .
فتبين أن حضور المساجد لصلاة الجمعة واجب ؛ حيث إنها لا تقام إلا في المساجد ، فالجـمعة واجبة عليهم ، وتقدم أن بعض المالكية : لجوا من شرط الجمعة المسجد المسمقف ؛ والصحيح خلافه ، كـما تقدم