لأن اتخاذ الأبواب من عوامل بقاء المسـجد منظما نظيفا مهيئا للمصلين في كل وقت ، كانت هذه المسألة مستهل حديثي في هذا المبحث .
يجوز اتخاذ الأبواب للمساجد ، ويدل لهذا ما يلي :
1- روى البخاري في صحيحه تـعليقا ، قال : قال ابن أبي مليكـة لابن جـريج : " لو رأيت مساجد ابن عباس وأبوابها " وهذا دليل على أن الأبواب كانت تتخذ في عهد الصحابة من غير نكير .
2 - ثبت أدن مسـجد النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اتخذت له الأبواب . ويشهد - ص 103 - لهـذا : ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك - رضي الـله عنه - قال : دخل رجل يوم الجمعة من باب وكان وجاه المنبر ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائـم يخطب . . . الحديث وفيـه : ثم دخل رجل من ذلك البـاب في الجمعة المقبلة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب . . . الحديث " . الشاهد : " من باب وكان وجاه المنبر . . . من ذلك الباب " .
وجه الدلالة :
حـيث دل على وجـود الأبـواب في مـسـجـد رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقدم قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا يبقـين في المسجـد باب إلا سد ، إلا باب أبي بكر .
3 - عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لو تركنا هذا الباب للنساء . فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات " . رواه أبو داود . الشاهد : " هذا الباب " .
وجه الدلالة :
أن في مسجده - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أبواب - كما تقدم - وقد خصص - صلى الله عليه وسلم - بابا منها للنساء ، ولم يدخل منه ابن عمر - رضي الله عنه - حـتى مات .
أما ما ورد في سنن أبي داود : " كانت الكلاب تقبل وتدبر ، وتبول في المسجد ، فلا يرشون شيئا من ذلك " فهذا لا يدل أصلا على - ص 104 - أدت المسجد لا أبواب له ، وإنما يدل على أنهم لم يكونوا يـغلقون أبواب المسجد .
وقال ابن العربي : " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ترك اتخاذ الباب للمسجد لقصر النفقة ، وذلك لأن المسجد اتخذ له باب فيما بعد ، وكـذا فعل خلفاؤه الراشدون ، حيث اتخذوا له الأبواب بمحضر من الصحابة ، ولم يذكر لأحدهم مخالفة " .
وقـال الزركـشي : " قـال ابن بطال بوجـوب اتـخـاذ الأبواب للمساجد لتصـان عن الأذى ، وتنزه عما لا يصلح فـيهـا من غير الطاعات بالغلق " .
ولقد اختلف العلماء في إغلاق أبواب المساجد ، على قولين :
القول الأول : يجوز إغلاقـها إذا خيـف على المسجـد أو مـتاعه أو جـيرانه ، وإن لم يكن ثمة خوف ، فالسنة فتح أبواب المساجد . قال بهذا جمهور العلماء .
الـقـول الثاني : لا يـجـوز إغـلاق أبواب المسـاجـد قـال به بـعـض الأحناف . - ص 105 - الأدلـة : استدل الجمهور بما يلي :
أولا : حـماية للمساجد وأمتعتها من السرقة والعبث وتنجيس الأطفال والبهائم .
ثانيا : حماية للمساجد من أن تتخـذ مقرا للسفـهـاء ، ومن أن يـدخلهـا الجنب والحـائـض ، أو من يـكـره دخـوله إليـهـا . فـلهـذه الأسباب يجوز إغلاق أبواب المساجد .
واستدل القائلون بأنه لا يجوز إغلاقـها ، بقول الله تعالى : ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم . الشاهد : ( منع مساجد الله ) .
وجه الدلالة :
أن الله - سبحانه وتعالى - حرم منع أحد من المسلمين أن يذكر الله - تعالى - في مسجد من المساجد .
ومما ينبغي أن يتفطن له : أن بعض القائمين على المساجد يسارعون في إغلاق الأبواب ؛ بل ربما طردوا من يجلس في المسجد لعبادة الله ، وهذا حرام ومضارة بالمسلمين ، وأخشى أن يشملهم الوعيد في الآية السابقة . - ص 106 - ومما تقدم يتضح لنا أن قول الجـمهور هو الصواب - إن شـاء الله تعالى - ولكن دليل الأحناف شامل لمن تسبب في منع أحد من ذكر الله تعالى في المساجد ، فـلا تغلق الأبواب إلا عند الحاجـة ، وحال الخشية على المسجد وأدواته وجيرانه من الضرر .
وأرى : أن توضع على أبواب المساجد لوحات إرشادية تشتمل على أدعية الدخـول والخروج من المسجد ، وبعض المواعظ النافعة ، ويكون موقع هذه الأبواب في غير جدار القبلة .