05-02-2018, 04:55 PM
|
|
|
|
مظاهر فصاحة الرسول صلى الله عليه وسلم
للرسول صلى الله عليه وسلم سمات أسلوبية متعددة في حواره نطقاً وأداء، يمكن أن نجملها في سمتين:
الأولى: الفصاحة:
تميز أسلوب الرسول اللغوي بسمة الفصاحة، وهي التي جعلته شديد التميز حين يحادث الناس ويحاورهم.
ففصاحة منطوق الرسول يشكلّ جزءا من تحديه للكافرين، بحكم تأثره (صلى الله عليه وسلم)
بالإعجاز القرآني في البلاغة والتأليف، وبالبيئة اللغوية المحيطة به، وهي عالية الذائقة، سريعة الفهم
والتلقي، ولننظر إلى مستوى الشعر الجاهلي الذي كان نموذجا في النظم الرفيع، فلما جاء القرآن بآياته
أعجز العرب، ولما رأى المسلمون بيان الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفصاحته تعلقوا بمصاحبته
ورغبوا في الحوار معه في كل زمان ومكان، وقد كانت فصاحته (صلى الله عليه وسلم)
وسيلة مضافة للإقناع بأيسر عبارة، وأرقى طرح، وأفصح أسلوب.
والفصاحة " صفة تجتمع لكلام، ولهيئة النطق بالكلام ولموضوع الكلام..، أما فصاحة محمد
فقد تكاملت له في كلامه، وفي هيئة نطقه بكلامه وفي موضوع كلامه " [1] وهذا يعني أن الفصاحة
لا تقتصر على طريقة النطق العربي الفصيح، والرسول نموذج فيها بنطقه السامي للألفاظ العربية
فقد كان محمد (صلى الله عليه وسلم): "أعربي اللسان، فله من اللسان العربي أفصحه بهذه النشأة
القرشية البدوية الخالصة وهذه هي فصاحة الكلام، فقد كان جمال فصاحته في نطقه كجمال فصاحته في كلامه
واتفقت الروايات على تنزيه نطقه من عيوب الحروف ومخارجها، وقدرته على إيقاعها
في أحسن مواقعها، فهو صاحب كلام سليم في منطق سليم"[2].
كذلك لا تقتصر على اختيار الكلمات العربية الصافية المنبع دون تكلف أو توعر، والرسول
هو قدوة البلغاء في الكلمات المنتقاة، بل يضاف إليها المعنى السامي الشريف، وهذا ما يبزُّ فيها
المفكرين والمصلحين والفلاسفة، ذلك أنه كان مرسلا من الله تعالى، بأعظم رسالة، وأثقل أمانة.
يقول الله تعالى: ﴿ وما ينطق عن الهوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾[3] يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ:
وَمَا يَنْطِق مُحَمَّد بِهَذَا الْقُرْآن عَنْ هَوَاهُ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي يُوحَى ﴾ يَقُول: مَا هَذَا الْقُرْآن إِلَّا وَحْي مِنَ اللَّه يُوحِيهِ إِلَيْهِ.
قَوْله: ﴿ وَمَا يَنْطِق عَنِ الْهَوَى ﴾: أَيْ مَا يَنْطِق عَنْ هَوَاهُ ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْي يُوحَى ﴾ قَالَ: يُوحِي اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى
إِلَى جَبْرَائِيل، وَيُوحِي جِبْرِيل إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿ وَمَا يَنْطِق عَنِ الْهَوَى ﴾ بِالْهَوَى [4].
وجاء في تفسير القرطبي: " قَدْ يَحْتَجّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ لَا يُجَوِّز لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الِاجْتِهَاد فِي الْحَوَادِث. وَفِيهَا أَيْضًا دَلَالَة عَلَى أَنَّ السُّنَّة كَالْوَحْيِ الْمُنَزَّل فِي الْعَمَل "[5].
وبالتالي تكون الفصاحة وفقا للمفهوم السابق ذات أضلاع ثلاثة: هيئة النطق العربي الأصيل
روعة التركيب وأصالة اللفظ وجمال التعبير، عظم المعنى وتساميه.
السمة الثانية: المنطق العذب:
فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ذا جاذبية خاصة لمستمعيه، كلاما، وأسرعهم أداء
وأحلاهم منطقا. وهذا له تأثير كبير في جذب الآذان، وانفتاح القلوب، ورهافة العقول، لذا كان الناس
يسعون إلى مصاحبته أطول الفترات، استئناسا بحديثه، وإفادةً من هديه. يقول الإمام ابن القيم:
" إن كلامه يأخذ القلوب، ويسبي الأرواح، ويشهد له بذلك أعداؤه، وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل
مبين، يعدّ العاد ليس بهذا مسرع، ولا يحفظ، ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام
بل هديه فيه أكمل الهدي " [6]، وكما تقول السيدة عائشة (رضي الله عنها): " ما كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام يبينه فصل، يحفظه من جلس إليه
وكان كثيرا ما يعيد الكلام ثلاثا ليُعقَل عنه " [7]. وهذا يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان:-
يتكلم بوضوح دون تقعر أو غموض في المعنى أو اللفظ.
• كلامه قليل اللفظ، غير مكثر.
• يتمهل في نطقه دون إسراع يضيع المعنى ويفقد السامع التواصل، أو بطء يملّ السامع، ويفقده الانتباه.
• كان يعيد كلامه حتى يعي السامع مقولته، وهذا ما أدى لحفظ أحاديثه في الصدور، وتناقلتها الألسنة بنصها.
أيضاً، كان المصطفى صلى الله عليه وسلم " طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام
ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم...، لا يتكلم فيما لا يعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه.
وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين، ومصلحتهم " [8].
وهذا يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان:
• سمته الصمت، والصمت يعطي هيبة كبرى لصاحبه، ويجعل الآذان تنصت حينما يهم بالكلام.
• ليس ثرثارا، وإنما يتكلم إذا سئل، أو كانت له حاجة.
• إذا تكلم فو ذو نطق واضح، تظهر الكلمات بوضوح في حديثه.
• يتكلم بالخير، وهذا مفتاح الثواب من الله، لأنه داع للهدى والخيرات.
• يراعي القضايا الآنية التي تهم من أمامه، فلا يتكلم بما ليس في حاجة المخاطب من هموم أو تساؤلات.
[1] عبقرية محمد، العقاد، م س، ص30.
[2] عبقرية محمد، ص31.
[3] سورة النجم، الآيتان (3، 4).
[4] تفسير الطبري، مصدر سابق، سورة النجم الآيتان 3، 4.
[5] تفسير القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تفسير سورة النجم، الآيتان 3، 4.
[6] زاد المعاد في هدي خير العباد، الإمام شمس الدين بن أبي بكر، بن قيم الجَوزيَة
دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ، 1987م، ج1، ص66.
[7] السابق، ص66.
[8] السابق، ص68.
د. مصطفى عطية جمعة
l/hiv twhpm hgvs,g wgn hggi ugdi ,sgl hgvs,g
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ شموع الحب على المشاركة المفيدة:
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 06:40 AM
|