بين المعرفة المجهولة والذكاء المصطنع تطالعنا «متلازمة غريبة» نتحسس آثارها يومياً ولا نقوى على الاعتراف بها أو مجابهتها. هل تتذكر تاريخ استلامك لأول عمل في حياتك؟ ستجيب بأن الأمر يعود إلى زمن بعيد. حسناً، هل تعرف الكرة؟ نعم إنها وسيلة ترفيه ولعب، لكن هل تعلم المواد المستخدمة في صنعها؟ بالتأكيد لا وستهرع مباشرة نحو الإنترنت للبحث عن ذلك لأنه أكبر مستودع للمعلومات والمعرفة. إذا
ما أزحنا الستار عن عيوننا لنرى ما وصلنا إليه فسندرك أننا نعيش ضمن دائرة الجهل الذي تشابه علينا فجعلناه معرفة.
إن سهولة الوصول إلى المعلومات عن طريق الإنترنت وزيادة اعتماد البشر عليها أديا إلى عدم تفعيل العقل وإفقار المنظومة المعرفية المجتمعية بسبب «الفردانية» وانعدام الاتصال المنتج والهادف.
من الصعب أن نعترف بأننا نعيش الوهم من خلال اعتقادنا بأن المعلومات المستقاة من الإنترنت هي امتداد طبيعي لما نملكه من معرفة وهو ما جعلنا نعتبر أنفسنا عباقرة لنضخم من حجم قدراتنا ومكتسباتنا، ثم نعمي عيوننا عن الخط الفاصل بين ما هو موجود فعلاً داخل أدمغتنا وما نستطيع الوصول إليه عن طريق الإنترنت. هذا الخلط الفظيع بين أدواتنا الإدراكية الشخصية والإنترنت يزيد من ثقتنا بالذات وفق مفهوم خاطئ ويوقفنا عن تمرين الذاكرة والاستعاضة عنه باستقبال معلومات كثيرة، ذلك أن الاستقبال دون البحث الحقيقي يقدم لنا وهم الحكمة، وليس الحكمة الحقيقية.
إننا نفقد اليوم قدراتنا على التركيز والتأمل والتحليل، لا نستطيع التفكير في أمر محدد، وقليل منا يعلم أهمية نقل المعلومات إلى الذاكرة طويلة المدى للاستفادة منها في حين أن ما تقدمه تكنولوجيات عصرنا الحالي هو معلومات مشتتة لا تتعدى ذاكرتنا قصيرة المدى وهو ما يمنعنا من الاستفادة منها ويزيد من آفة العلم «النسيان» حتى أصبحنا سطحيين متوهمين.
إن الإنسان العاقل المدرك يعلم يقيناً أنه كلما تبحر في علم ما أو موضوع معين سيكون أمام حقيقة ثابتة هي كمية المعلومات التي يجهلها، كما أنه سيدرك لا محالة أن وهم المعرفة قد طال بنيان المجتمع الإنساني ومؤسساته: الأسرة، منظومة الزواج، أماكن العمل، الاستهلاك والدين. وحتى لا نكون من «الحكماء الواهمين»، هذه دعوة إلى جلسة مع الذات لإدراك وجود الوهم والاعتراف بيقين الجهل ثم البحث المعمق عن الأساليب الناجعة للتحول من شخص مستهلك للمعلومات إلى منتج لها.