نحن نميل إلى التفكير بسلبية، والتفكير بسلبيّة أسهل بكثير من التفكير البنّاء... إنّ قوة جذب الذنب والموت إلى الوسط كبيرة جدّاً، والوعي سهل الغرق إلى ما دون مستوى دائرتي الفكر والشعور متأثراً بالأفكار والمشاعر الوهاجة، بالإضافة إلى الذكريات الأليمة. والأخيرة أيضاً تقع في منطقة الوسط في كلّ دائرة من لولب الفكر ولولب الشعور، المنطقة القريبة من مركزي الذنب والموت. من الجميل أن لوعينا سلطاناً على ذاته، فيعمل على خروجه وارتقائه من الجحيم الذي يكمن فيه.
والناس الذين اعتاد فكرهم، أو دربوا عقلهم على التفكير بشكل بنّاء وإيجابي، قليلاً ما يتعرضون لجذب وتأثير الذكريات السيئة، ببساطة لأن فكرهم ينتقل من المواقع السلبية إلى الإيجابية حيث مركز الثقل الكبير لديهم...
وحتى نفهم هذه النقطة أكثر، فلنستعرض مثلاً ونحاول تطبيقه عليها، وسنرى كيف أن مركز الثقل في الفكر يجذب الأفكار إليه ويحدد أبداً استمرار نمط التفكير، إلا إذا درّب المرء فكره من خلال ارتقاء وعيه حتى يقدر على تمييز الأفكار السلبية، تلك التي تترك عميق الأثر في الشعور...
حدث مثلاً أن تعرّضت لانتكاسة مالية كبيرة، وإذ علمت، بدأت بالتفكير بوضعك، وبأنك لن تقدر على إعالة عائلتك واقتربت من نقطة الذنب في وسط مثلث عقلك لأنّ هذه الأفكار تقع بالذات في تلك النقطة من دائرة فكرك، وبدأ يراودك شعور بالكآبة والحزن العميق، أو شعور بالقلق والتوتر... وإذا راودتك هذه الأفكار، فلأن فكرك اعتاد على هذا النمط من التفكير حيث أن تاريخك الفكري مفعم بأفكار وتفاصيل في هذه المنطقة من لولب الفكر الذي يشتمل عليه تاريخك إزاء هذه الأحداث. وبالتالي، فإن قوة جذب هذه الأفكار التي تقع في هذا الموقع من دائرة فكرك كبيرة جدّاً، وبالنتيجة فإن عامل الجذب فيها قويّ تماماً...
وحده سموّ الوعي وارتقاؤه هو القادر على تصويب تفكيرك في هذه الحالة... أو أنك قد تنطلق للتفكير بحلول لمشكلتك، فيعمر الفكر في منطقة أخرى من دائرته والتي تقع إلى اليسار العلويّ مثلاً. وإذا كان وعيك سامياً، فإنّ الإرادة إنما تدفعك بقوة حتى يتحقق ما تصبو إليه وتريده في هذا المجال. وفي هذه الحالة، فإن تاريخك الفكري مُثقل بأفكار راسخة في تلك المنطقة من لولب فكرك عبر الزمن، وبالتالي فإن ثقلها كبير وقوة جذبها كبيرة بحيث تجذب الأفكار الجديدة إلى تلك المنطقة بالذات...
وكما أسلفنا، فإن تموضع الوعي بالنسبة إلى مركزي الفكر والشعور يتأثر بثقل الأفكار، وبالتالي له دور كبير في تأكيد وتسريع وترسيخ هذا المنط أو ذاك من التفكير...
- لا يمكننا مقاومة الأفكار السلبية:
رغم أنّه قلما نعلم ذلك، غير أنّه بإمكاننا أن نلاحظ أنّ الأفكار السلبية لا تُمكن مقاومتها، ببساطة لأنّه لا يمكن تغيير دوران الفكر حول مركزه من الاتجاه يساراً إلى الاتجاه يميناً... فكلّما حاولنا مقاومة الأفكار السلبية ورفضها، زاد طغيانها إذ تكثر التفاصيل بين حدود الفكرة نفسها...
وفي هذه الحالة، أفضل ما يمكن فعله هو القبول بما تقوله الفكرة السلبية. بمعنى الذهاب إلى نهاية الفكرة وتخطيها دون السماح لها بتسجيل التفاصيل فيعظم ثقلها...
وبذلك فإنك تفسح في المجال أمام الانتقال إلى فكرة أخرى أكثر إيجابية. وقد يكون هناك قوة جذب كبيرة لفكرة أو جانب معيّن نتيجة ثقل التفاصيل به لكثرة ما فكّرت به، عند ذاك، سرعان ما يكمل الفكر دورته متخطياً المواقع الإيجابية في دائرة الفكر ليعاود التمركز في المنطقة السلبية معاوداً تسجيل التفاصيل والدقائق وترسيخها... وعليك بالتالي أن تعاود الكرّة في كلّ مرة، أي القبول بالفكرة وتخطيها، ومحاولة التسجيل والتفكير بأمور أخرى بناءة... ومع الوقت يضعف ثقل الفكرة مع فقدان أو خفوت وهجها وثقل التفاصيل وقوة جذبها في المنطقة السلبية. وتكون بذلك قد عملت على خلق ثقل في مكان آخر أكثر إيجابية وفعالية وتدرّب فكرك على التموضع في مكان أفضل...
ليس بالأمر السهل طبعاً، غير أنّه جدير جدّاً بالتجربة، وسترى كيف أن حياتك ستتغير تماماً، ويزيد إنتاجك وفعاليتك ومزاجك سيتحسن بالطبع...
ولنحاول تسليط الضوء على حالة أخرى لنحاول من خلالها فهم كيفية عمل الأفكار السلبية. ورغم أنّ هذا المثال لا ينطبق تماماً على موضوعنا هنا بواقع كونه حالة أخرى مختلفة تماماً، غير أنّه قد يساعدنا على فهم الأفكار السلبية وكيفية تحرّكها وعملها...
كثيراً ما نحلم بأشياء مزعجة خلال نومنا. وخلالها نسعى أو يسعى فكرنا للتخلص من الأفكار المزعجة التي تأتينا أثناء النوم... ومهما حاولنا أن نحوّل أو نعدّل مسار الحلم نصاب بالفشل. ولا يستقيم الوضع ويتجلى إلا عندما نصحو تماماً، أي عندما يستفيق وعينا. والأحلام حالة مختلفة عن موضوعنا الآن، ولكن ثمة تشابه بين الأحلام السلبية خلال نومنا، والأفكار السلبية التي تراودنا في حياتنا الواعية. وإذا كانت الأحلام هي حالة من غياب الوعي أو استراحته، فإن حالة غرق الوعي في حياتنا الواقعية لا تسمح له برؤية الأفكار السلبية، ومهما حاولنا تصويبها أو مقاومتها نصطدم بواقع أنها لا تتغير، لا بل تقوى علينا أكثر... وإذا كنا لا نقدر أن نُميز الأحلام المزعجة إلا عبر الوعي عندما يصحو الوعي من سباته، فكذلك الأمر في حالة غرق الوعي، إذ لا سبيل إلا بارتقائه إلى مكان يسمح له أن يدرك الأفكار السلبية التي تسيء إلى حالنا...
فلنُحكّم وعينا دوماً، ولنجعله رقيباً على أفكارنا حتى يعلم الصالح منها ويميز ويدرك ما يسيء إلينا. ومهما واجَهَنا من مشاكل، فإن مشكلتنا الأساسية تبقى في الأفكار السلبية، والقفز عنها هو الطريق التي تؤدي بنا إلى التخلص من مشاكلنا مهما بدا لنا الأمر غريباً أو صعباً.