لكي نستفيد من
دراسة السيرة النبوية لا بد من وضع
قواعد لدراسة الأحداث لكي تتم الاستفادة الكاملة من
السيرة النبوية، وهناك أربع قواعد، فحاول أن تطبق هذه القواعد الأربع على أحداث
السيرة النبوية؛ لتتبيّن حجم الاستفادة من هذه الأحداث.
القاعدة الأولى:
السيرة النبوية المصدر الثاني في التشريع الإسلامي
لا بد أن نفقه المصدر الثاني للتشريع للدين الإسلامي من خلال دراستنا للسيرة النبوية، فإن مصادر التشريع في الإسلام كثيرة وأول هذه المصادر بلا جدال هو القرآن، والمصدر الثاني بلا جدال أيضًا هو السنة المطهرة. والسُّنَّة هي كل قول أو فعل أو تقرير صدر عن رسول.
والتقرير هو فعل الصحابي لأمر وافقه عليه النبيبأن استحسنه أو سكت عنه. ولن تستطيع فهم المصدر الثاني من التشريع إلا بعد
دراسة مستفيضة للسيرة النبوية.
والقرآن والسنة هما مصدرا التشريع الرئيسية، وهناك مصادر تشريع أخرى منها الإجماع والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة والاستصحاب والعرف، اختلف الفقهاء في ترتيب هذه المصادر لكنهم لم يختلفوا في أن القرآن هو أول هذه المصادر، والسنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع وليس لهما بديل.
والسنة في غاية الأهمية في التشريع الإسلامي، وكذلك
السيرة في غاية الأهمية لفهم السنة. فاللهيقول في كتابه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
فبدون
السيرة وبدون السنة لن تسطيع أن تفهم القرآن الكريم نفسه، فدراستنا لموقف من مواقفهإنما هي
دراسة للمصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.
فالسيرة ليست مجرد شيء نقرؤه أو نتسلى بقراءته، بل هذا هو الدين، وهذا مصدر من المصادر التشريع الإسلامي. وهذا ما سنقابل اللهبه، وهو ما سيسألنا عنه يوم القيامة، فبفهمك للسيرة
النبوية وتطبيقها على الوجه الأمثل تستطيع أن تقابل اللهبوجه حسن وبعمل صالح.
لكن هناك طائفة -وللأسف البعض منهم مسلمون- يشككون في أمر السنة ويشككون في
السيرة النبوية، وتزعم أنها تكتفي بالقرآن الكريم، والرسول -عليه الصلاة والسلام- تنبأ بهذه الطائفة في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه: عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ الْكِنْدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِقَالَ: "يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، مَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ. أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ".
ويرد كتاب الله على هؤلاء الذين يزعمون أنهم يؤمنون بالقرآن فقط، فيقول تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]، {فَلاَ وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
الصحابة ما كانوا يفرقون أبدًا بين قرآن وسنة. قد يكون الحدث الذي تدرسه أو تقرؤه عن النبيأمرًا تشريعيًّا يجب عليك الأخذ به، وقد يكون ترك هذا الأمر يعرضك لأن يُقال لك: سحقًا سحقًا.