أول الرسل بعد آدم
الرسالة الإلهية أكرم الله خلقه من جوانب عديدة، وكلّفهم بعبادته وفق ما بعث به أنبياؤه ورسله على الأقوام والأمم، وسخّر للناس جميع مخلوقاته حتى يستعينوا بها على ما أمرهم به من الطاعات، كما أنه عزَّ وجلَّ تفضّل عليهم بأن بعث لهم رسلاً على مراحل وفترات متتابعة حتى لا يخلو عصرٌ أو زمنٌ من توجيه الله للناس وفق ما يُريد، وقد تتابعت الرسالات وتعاقبت حتى انتهت بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكلُّ ذلك ليعيش الناس سعداء بما يُنزّل به الوحي على الرسل فيبثّونه إليهم؛ إذ إنّ الوحي يُعرّفهم بالطريق المستقيم، ويربط بين علاقة المرء بخالقه، فيربطه في حياته بالآخرة حتى لا يغفل أو يزيغ. أول الأنبياء والرُّسل قدَّر الله سبحانه وتعالى أن يكون أول بشرٍ من البشرية بين الناس في العهد الأول من عمر حياة الإنسان على وجه الأرض رسولاً يوحى إليه، وكان ذلك النبي هو آدم -عليه السلام- أبو البشرية وأوّلهم خلقاً والأصل الذي تناسل منه جميع الناس، بعد أن خرجت زوجته حواء، ثم من آدم وحواء تناسل البشر وعُمِّرَت الأرض بأمر الله، وتكاثر الناس وأصبحوا شعوباً وقبائل، وتشكّلت الأمم والجماعات والأوطان، ومن تلك الفترة (عصر آدم عليه السلام) بدأ الوحي المُنزّل بأمر الله ينقل الرسالات إلى الرسل ليُعلّموا الناس بها ويأمرونهم بعبادة الله، فكان دين الله حينها الدين الأوحد، ومن تلك النقطة نشأت المسؤولية التي حملها الإنسان على كاهله وسيحملها إلى يوم القيامة، وهي أن يلتزم بالتعامل مع كافة خلق الله من البشر. أما اصطفاء الله واختياره للرسل والأنبياء فكان قائماً على عددٍ من الخصال، فرُسُل الله وأنبياؤه هم خير البشرية، وأكثرهم طاعةً لله، وأصفاهم نفساً ومضموناً، وأرجحهم عقلاً، وهم أسرع الناس إيماناً بالله، قال تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)،[1] وقد أمدّ الله الأنبياء بعلمٍ لا يمكن لسواهم أن يعلمه، قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا)،[2]، ثم بعد ذلك حَفِظَهم وأمَّنهم من البشر فأحاط بهم حفظه وأمنه، قال تعالى: (وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ )،[3] كما جعلهم مصدر الهداية، ووضع فيهم الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة، يقول تعالى: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)، [4] ولما أوحى الله لآدم -عليه السلام- أوحى إليه قبل أن يولد له أحدٌ من الأولاد؛ لذلك فقد كان الوحي حينها يقتصر على تعليم آدم ما يحتاجه وأولاده في معاشهم، واستمرّ الوحي على ذلك إلى أن ظهرت الأصنام بعده آدم عليه السلام بعشرة قرون تقريباً.[5] أول الرسل بعد آدم اختلفت الروايات في أول نبيٍ مُرسلٍ بعد آدم عليه الصلاة والسلام، فقيل: إنّ أوَّل نبيٍ بعد آدم هو شيث، فعندما حضرت الوفاة سيدنا آدم عليه السلام أوصى إلى شيث وعهد إليه بأمر بَنِيه، وأوصاه بالقيام بشؤونهم ومتابعة أمورهم، فقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سأله أبو ذر -رضي الله عنه- عن الأنبياء والرسل: (... قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ كمِ الأنبياءُ ؟ قال: (مئةُ ألفٍ وعشرونَ ألفًا)، قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ كمِ الرُّسلُ مِن ذلك ؟ قال: (ثلاثُمئةٍ وثلاثةَ عشَرَ جمًّا غفيرًا) قال: قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ مَن كان أوَّلَهم؟ قال: (آدَمُ) قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ أنبيٌّ مرسَلٌ؟ قال: (نَعم خلَقه اللهُ بيدِه ونفَخ فيه مِن رُوحِه وكلَّمه قبْلًا)، ثمَّ قال: (يا أبا ذرٍّ أربعةٌ سُريانيُّونَ: آدمُ وشِيثُ وأخنوخُ وهو إدريسُ وهو أوَّلُ مَن خطَّ بالقلمِ ونوحٌ، وأربعةٌ مِن العربِ: هودٌ وشعيبٌ وصالحٌ ونبيُّك محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ كم كتابًا أنزَله اللهُ؟، قال: ( مئةُ كتابٍ وأربعةُ كُتبٍ أُنزِل على شِيثَ خمسونَ صحيفةً ...).[6] أما شيث فهو ابن سيدنا آدم -عليهما السلام- ومعنى اسمه هو: "هبة الله"، وقد قيل أن مولده كان بعد وفاة هابيل، لذلك سماه آدم بشيث "هبة الله"، ولما فرَّ قابيل من الجبال إلى السهول برفقة زوجته، بعد أن قتل أخوه هابيل اصطفى الله تعالى شيث عليه السلام من ولد آدم، فكان يعين والده آدم - عليهما السلام - في أمور الدعوة والإرشاد، وقد ترافق ذلك مع ازدياد البشرية، وتناسل وتكاثر بني آدم، ولما توفي آدم عليه السلام تولى شيث عليه السلام أمر المسلمين، وبدأ يشرِّع للناس أمور دينهم، وكان يبين لهم الحلال والحرام، وقد أنزل الله - سبحانه وتعالى - عليه خمسين صحيفة كما سبق ذكره من حديث أبي ذر سالف الذكر، ومن الشرائع التي جاء بها شيث بن آدم تحريم الاختلاط مع قوم قابيل، الذين أفسدوا في الأرض بسوء أخلاقهم، وقد التزم الناس بذلك الأمر فلم يختلطوا بقوم قابيل ولم ينزلوا إلى السهول حتى توفي شيث، بعد ذلك عُهد الأمر إلى ابنه أنوش، ولم يُرسل إلى أحد من الخلق بعد أنوش بل بقي الناس دون نبي، وكان الناس في تلك الفترة ملتزمين بأوامر آدم وتشريعاته وتشريعات ابنه شيث عليهما السلام.[7] بعد موت شيث عليه السلام جاء الشيطان إلى قوم قابيل فتمثل لهم على هيئة غلام، ثم بدأ بتزيين بعض الأعمال لهم كاللباس والأمور الغريبة حتى أوصلهم إلى إحداث يوم عيد لهم تتزين فيه النساء وتختلط بالرجال فلما وصل الخبر إلى قوم شيث تسلل ضعفاء النفوس منهم حتى نزلوا إلى السهول واقترفوا ما نهى عنه نبيهم شيث ثم لما رأوا ما في نساء قوم قابيل من الحسن افتتنوا بهن وأخبروا قوم شيث بما رأوا حتى وقعوا في أول جريمة زنا في تاريخ البشرية وكانت في يوم عيد قوم قابيل، بعد فساد الناس وعصيانهم لأمر شيث وأبوه آدم بعث الله تعالى إلى إدريس عليه السلام، واسمه هو أخنوخ، إنما سمي إدريس لكثرة دراسته لكتاب الله وعبادته لله أما اسمه فهو إدريس بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم، ولد في حياة آدم، وعاش معه ما يقارب مئة وعشرين سنة، وقد كان إدريس - عليه السلام - أول من شرع القتال في سبيل الله، فقد جهز جيشاً وهاجم قوم قابيل فهزمهم، وكان ذلك سبباً في تقليص شرورهم وإضعاف شوكتهم.[7] القول بأن نوح هو أول الأنبياء يذكر بعض العلماء أن أول نبي بُعث إليه بعد آدم لم يكن شيثاً، إنما هو نوح عليه السلام، وقد نُقل ذلك عن عددٍ من أهل العلم، فقد روى الحاكم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين)، كما روى ابن جرير الطبري عن قتادة في تفسير قول الله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)،[8] فكان أول نبي بُعِث هو نوح عليه السلام.[9] أما اسم سيدنا نوح فهو نوح بن لامَك بن مَتُّوشَلَخَ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر، وقد أُرسِلَ إلى قومه بعد أن عبدوا الأوثان، قال تعالى إخباراً عنهم: (وقالوا لا تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُم ولا تذرُنَّ وَدًا ولا سُواعًا ولا يغوثَ ويعوقَ ونسرًا)،[10] وهي أسماء مجموعة من الرجال الصالحين من قوم نبي الله إدريس، وكان الناس يقتدون بهم ويلتزمون بأوامرهم، فلما ماتوا وسوس الشيطان لقومهم أن ينصبوا أنصاباً في مجالسهم التي كانوا يرتادونها، ثم سموها بأسمائهم ليتذكّروهم، ففعلوا ولكنّ الناس الذين عاصروا هؤلاء الرجال الصالحين لم يعبدوا الأصنام، حتى إذا هلك هذا الجيل وانتسخ العلم ولم يعرف الجيل الذي تلاهم بقصة الأصنام فعبدوها.[11]
H,g hgvsg fu] N]l hgvsl
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|