يُجمع المحللون السياسيون، على أن إيران ومِن خلفها "حزب الله"، يتحملان تداعيات الاستقالة المفاجئة التي تَقَدّم بها رئيس الوزراء اللبناني اللبناني سعد الحريري، بعدما شعر أن حياته في خطر، وأن إيران أوعزت إلى مليشيات "حزب الله"، بتصفيته والتخلص منه؛ في مسعى منها إلى إعادة لبنان إلى دوامة الارتباك السياسي والأمني من جديد؛ وهو ما يزيد من فرصة إشعال الحرب الأهلية بين الفصائل اللبنانية من جديد، ويضمن هذا المشهد -بحسب الرؤية والرغبة الإيرانية- إشغال الرأي العام العالمي بما يحدث في لبنان، وتخفيف حدة التركيز على الإرهاب الإيراني وأزمة طهران مع العالم الغربي؛ وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص برنامجها النووي.
لقاء ما قبل الاستقالة
وجاءت استقالة الحريري -كما تؤكد المصادر- عقب ساعات من لقاءٍ جَمَعه فى بيروت، مع "أكبر ولايتي" مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، ولا يستبعد المحللون أن يكون "ولايتي" قد ألمح للحريري بتهديدات مباشرة قد تستهدفه شخصياً، إذا لم يرضخ لإملاءات إيران ومطالب حزب الله؛ فلم يجد الحريري أمامه سوى التوجه إلى الرياض، ليعلن فيها عن استقالته أمام العالم، ويحذّر في الوقت نفسه من سعي إيران وحزب الله لإشعال منطقة "الأوسط" بالاضطرابات والفوضى.. وتؤكد المصادر ذاتها أن كل مواقف وسياسات حزب الله خلال العام الماضي كانت واضحة وعلنية، وتهدف إلى إبعاد الحريري عن محيطه العربي، ووضعه في الصف الإيراني.
مخطط وأكاذيب
وترى الأوساط السياسية أن سعد الحريري، نجح في إفساد مخطط إيران في المنطقة، وأن خطاب الاستقالة التي تلاه أمام شاشات التلفزيون؛ كشف وفضح هذا المخطط على الملأ؛ فضلاً عن أنه بعثر حسابات إيران، ووضعها أمام فوهة المدفع أمام العالم، الذي بات يتأكد يوماً بعد آخر، أن إيران دولة إرهابية بطبيعتها، تتبنى الفكر الضال، وتتغذى على الإرهاب والتطرف وإثارة المشكلات والاضطرابات في المنطقة بأكملها؛ وهو ما يفسر المحاولات الفاشلة للسياسيين الإيرانيين وحزب الله، لإقناع العالم بأن المملكة هي مَن دفعت الحريري للاستقالة، وأن الأخير تحت الإقامة الجبرية في الرياض ولا يستطيع أن يغادرها، ولم تمر 24 ساعة على هذه الأكاذيب التي روّجتها الآلة الإعلامية الإيرانية؛ حتى توجه الحريري إلى إمارة أبو ظبي، وأعلن عادل الجبير وزير الخارجية أن الحريري يستطيع أن يغادر المملكة في الوقت الذي يختاره.
سيناريوهات المشهد
استقالة الحريري وضعت لبنان عند مفترق طرق، وفتحت الباب أمام مراكز الأبحاث والدراسات، لوضع سيناريوهات للمشهد اللبناني في الفترة المقبلة، وفي هذا الإطار؛ أصدر المركز الاستشاري الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية في أبو ظبي، تقريراً قال فيه: إن الاستقالة جاءت احتجاجاً على تزايد التدخلات الإيرانية في الشأن اللبناني.
أزمة أمنية وسياسية
ورداً على ما كشفه من وجود مخطط يستهدف حياته الشخصية، قال المركز: إن خطوة "الحريري" تضع لبنان على أعتاب أزمة أمنية وسياسية جديدة؛ ليس فقط لأنها تمثل عملياً فشل الاتفاق الذي سمح بتشكيل الحكومة اللبنانية في نهاية 2016؛ وإنما لأنها ربما تعيد أجواء الاحتقان السياسي في لبنان، وتعيد إلى الأذهان الأزمة التي شهدتها لبنان عام 2005، وكادت تتحول إلى حرب أهلية جديدة.
مزيد من الفوضى
السيناريو الأول لاستقالة الحريري، يشير إلى أن إيران ستتجه إلى إثارة الصراع مع الدول العربية بشكل أكبر مما عليه الوضع حالياً، مع إثارة الفوضى في المنطقة بأكملها، ولن تقوم طهران -كالمعتاد- بهذه المهمة بنفسها؛ وإنما ستمنح حزب الله الضوء الأخضر للقيام بهذه المهمة في لبنان وسوريا، وكذلك للحوثيين في اليمن؛ لعل وعسى ينجح هذا الصنيع في لفت الأنظار عنها.
الانتقام
ويقول السيناريو الثاني: إن إعلان استقالة الحريري من قلب العاصمة الرياض؛ أغضبت إيران وحزب الله بشكل فاق الحد؛ ولهذا يتوقع كثيرون ألا تقف إيران وحزب الله مكتوفتيْ الأيدى أمام هذه الاستقالة التي تمثل بالنسبة لهما نوعاً من الهزيمة السياسية، أو بالأحرى لمشروعهما الذي يستهدف تحويل لبنان إلى المحور الإيراني في المنطقة؛ لذا ستسعى إيران للانتقام ممن أفسد هذه المشاريع.. وسعت طهران -عبثاً- للانتقام إعلامياً بإظهار أن الرياض تتحكم في الحريري، وأنها هي التي أجبرته على تقديم الاستقالته؛ فضلاً عن التصريحات المستفزة من المسؤولين الإيرانيين، ويستهدفون فيها الحديث عن المملكة العربية السعودية.
صراع اليمن
ولا تستبعد التحليلات -في السيناريو الثالث- أن تبادر إيران، وتستعين بجزء من قوات حزب الله اللبناني في الصراع الدائر في اليمن حالياً؛ لدعم حلفائها الحوثيين، الذين يواجهون مأزقاً صعباً مع تقدم قوات الشرعية بنجاح يسابق الزمن، واقترابها من العاصمة صنعاء.
ويؤكد احتمالات هذا السيناريو، الصاروخ الباليستي الذي أطلقه الحوثيون واستهدف مطار الملك خالد الدولي بالقرب من الرياض، وتم إسقاطه من قِبَل الدفاعات الجوية السعودية، وكان هدف الصاروخ بث الروح المعنوية في صفوف الحوثيين، وأثبت الفحص ومعاينة مخلفات الصاروخ، أنه إيراني الصنع، من نوع "قيام"، وأرادت طهران أن تؤكد لقوات التحالف العربي، أنها قادرة على إلحاق الضرر بأي قوة تقف في وجه أطماعها في المنطقة.
رفض لبناني
ومن التوقعات في الفترة المقبلة، أن يعي الشعب اللبناني -أكثر من أي وقت مضى- خطورة "حزب الله" على الدولة اللبنانية؛ بسبب محاولاته أن يكون سلطة فوق السلطة الشرعية؛ وهو ما سيدفع الشعب اللبناني لرفض سياسة "حزب الله" وتأثيراته على الداخل ومنطقة الشرق الأوسط؛ خاصة بعدما صنفت دول عدة، الحزبَ على أنه منظمة إرهابية، تنفذ أجندة إيرانية في المنطقة.
سحب أسلحة الحزب
ويُنتظر أن ترتفع الأصوات من الداخل اللبناني، وتطالب -مجدداً- بسحب أسلحة الحزب، ووقف عملياته السياسية والعسكرية في المنطقة، التي ورطت لبنان وأحرجتها وأدخلتها في دوامة من المشكلات والصراعات، هي في غني عنها.
تصرحيات "السبهان"
وهو ما قد يفسّر تداعيات تصريح ثامر السبهان وزير الدولة لشؤون الخليج العربي، بأن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أبلغ رئيس الوزراء اللبناني "المستقيل" سعد الحريري، تفاصيلَ عدوان "حزب الله" على المملكة؛ مؤكداً أن الحكومة اللبنانية تعي خطر "حزب الله" الإرهابي على المملكة؛ منوهاً بأن "حزب الله" "يشارك في كل عمل إرهابي يهدد أمن المملكة واستقرارها".
وأضاف "السبهان": "سنعامل حكومة لبنان كحكومة إعلان حرب بسبب ميليشيات حزب الله الإرهابي، وميليشياته تؤثر في كل القرارات التي تتخذها حكومة لبنان، وعلى اللبنانيين الاختيار بين السلام وبين الانضواء تحت حزب الله".
"جعجع" عن الأزمة
ولم يقتصر الأمر على "السبهان"؛ وإنما أكد رئيس حزب القوات اللبنانية "سمير جعجع"، أن الأزمة التي يمر بها لبنان حالياً، ليست حصيلة اليوم؛ وإنما بدأت منذ زمن، وقال: "البعض ينظر إلى استقالة سعد الحريري وكأنها بدأت الآن؛ وإنما هي نتيجة تراكم طويل عريض لمخالفات قام بها فريق 8 آذار وحزب الله.. كنت أشعر أن ذلك سيحصل لكني كنت أتساءل عن التوقيت"؛ مؤكداً أن "الحريري سيعود عن استقالته في حال تراجع حزب الله عن سلوكياته، وانسحابه من نزاعات المنطقة بحسب اتفاق الطائف".