إضلال أم تضليل
إضلال أم تضليل
للشيخ طه محمد الساكت:
يسألني الفاضل الشيخ جاب الله غازي أحد قراء "الإسلام" الغرَّاء والعاملين على نشرها بالرمل: عن طائفةٍ مِن الناس إذا أمروا بمعروفٍ قالوا: لو شاء الله لفعَلْنا، وإذا نهوا عن منكرٍ، قالوا: لو شاء الله ما عصينا، ولا هَمَّ لهم إلا الشَّقْشَقَة بالقضاء والقدر، والاحتجاج بهما في تَرْك الأوامر، وفعل النواهي؟
قال: ومن هذه الطائفة متعلِّمون يَنشرون المنكرَ، ويُضلُّون العامة، ويُفسدون في المجالس، ولا يجدون مَن يهديهم سواءَ السبيل، ومِن اللَّطائف ما قاله أحدُ العلماء الأجلَّاء - وكان حاضرًا هذا السؤال -: إننا نجيب أمثال هؤلاء بلطمةٍ على الوجه، أو بصفعةٍ على القفا؛ فإن تألَّموا أو تضجَّروا قلنا: قضاءُ الله وقدَره! وإن رضوا واطمأنوا زدناهم لطمًا وصفعًا، وإنْ نَسَبُوا إلينا عملًا فعليهم أن يَمْتَثِلوا أوامرَ الله، ويَتَجَنَّبوا نواهيه، وليَدَعوا قضاء الله وقدَره والجدالَ فيهما، فما كان الاحتجاج بهما لينفعَهم في قليل ولا كثيرٍ، ولو كان لهؤلاء مسكةٌ مِن عقل أو بقية من إيمان، أو ذرة من إنصاف - لفرَّقوا بين الأفعال الاضطرارية التي لا مدخلَ للعبد فيها؛ كالرعشة والحرارة والبرودة، وبين الأفعال التي للعبد فيها نوعٌ من الكَسْبِ والاختيار - وهو مناطُ التكليف والثواب والعقاب.
أمَّا الاحتجاج بالادارة والمشيئة وبالقضاء والقدَر، فقد ردَّه الله على المشركين، وبيَّن أن حجتهم داحضة، وأن حجته هي البالغة؛ إذ هدى الإنسانَ النَّجدَيْنِ: طريق الخير، وطريق الشر، وبعث إليهم الرسل مُبشِّرين ومنذرين، وأنزل الكتب تبيانًا لكل شيء؛ فقطع معذرته، وأزال شُبهته؛ ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 148].
نعم إنَّ كلَّ شيء بقضاء الله وقدَره، غير أننا لا نعلم ما قضى وما قدَّر إلا بعد وقوعه، فمِن سوء الأدب أن نبحثَ في شؤونه تعالى، أو أن نتهاونَ في أوامره، ثم نحتجَّ بإرادته ومشيئته.
على أن القضاءَ هو عِلْم الله تعالى أزلًا بحُصول الأشياء على أحوالها وأوضاعها، لا تختلُّ مِن ذلك ذرةٌ، والعلمُ صفة انكشافٍ لا تأثير لها في إيجاد شيءٍ أو إعدامه، فمِن البديهيِّ أنَّ علمَه تعالى ليس سببًا في الجبر ولا الإكراه.
وأما القدر: فهو إيجادُه تعالى الأشياءَ على وفاقِ علمه بها، وإلا كان علمُه جهلًا، تعالى اللهُ عن ذلك علوًّا كبيرًا، وليس في القدَر إلْجاءٌ ولا إكراه مِن بعد ما تبيَّن للعبد مِن خير وشرٍّ، ومن بعد ما منح مِن كسب واختيارٍ، ومن أجل ذلك يتنازعُه ميلان إلى الفعل، وآخر إلى التَّرْك، ثم هو يرجِّح أحدَ الأمرين، وبترجيحِه هذا صحَّ أن يُكلَّف، وأن يُثاب ويُعاقب، وليس كالريشةِ في مهبِّ الريح؛ كما تقول فرقةٌ ضالَّة تُدعى الجبرية، ولو أن المقام للمناظرةِ والحجاجِ لأقمنا الحجَّة على هذه الشِّرْذمةِ بما لا مزيدَ عليه، ولكن هؤلاء معاندون جاحدون، وفي أمثالهم يقول الله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23]، ولعلَّ أبلغَ ردٍّ على هذه الطائفة الضالة المُضلَّة - إنِ اكتَرَثْنا بهم - هو ما أجاب به نبيُّ الله عيسى عليه السلام: إذ تمثَّل له الشيطان فقال: يا روحَ الله، كل شيء بقضاء الله وقدَره، فارمِ بنفسك مِن ذروةِ هذا الجبل، فما يصيبُك إلا ما قدَّر الله!
فأجاب عليه السلام مِن فوره: اخسَأْ يا لعين! فإن الله يمتحنُ عبدَه، وليس للعبد أن يمتحن ربَّه.
هذا ونعد قرَّاء "الإسلام" بمقال وافٍ في القضاء والقدَر إن شاء الله؛ بيانًا للمنصفين، وخوفًا على المغرورين والمستضعفين.
Yqghg Hl jqgdg
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|