الوصية للأقارب
قال قَوْمٌ الوَصِّيةُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَرَكَ مَالاً
وقَالَ آخَرُون لَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا
وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فالْفَرْضُ حِينَئِذٍ هُوَ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
قَال تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة: 180] فَهَذَا فَرْضٌ فقوله تعالى: كُتب عليكم أي فُرض عليكم ، كما قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) ، ولا خلاف بين الجميع أن الصيامَ فرضٌ فكذلك الوصية للوالدين والأقربين الذين لا يرثون.
ولا يوجد تعارض بين هذه الآية وآيات المواريث؛ ونحن مكلفون بالعمل بجميع النصوص، والإجماع منعقد على ألَّا وصية لوارث؛ فنخرج من الوصية جميع الورثة ويبقى فرض الوصية للأقارب غير الوارثين.
وذلك كما استثنينا الكلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر بالسكوت فى الصلاة؛ وكذلك كما استثنينا عدة الحامل المتوفى عنها من جملة النساء المتوفى عنهن أزوجهن
قالوا: الوصيةُ للوالدين والأقربين منسوخةٌ بآية الميراث؟
قيل: وخالفهم جماعةٌ غيرهم فقالوا: هي محكمةٌ غيرُ منسوخة.
وإذا كان في نسخِ النصِّ تنازعٌ بين أهل العلم، لم يكن لنا الحكم عليه بأنه منسوخٌ إلا بحجة قوية واضحة يجب التسليم لها.
قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ" قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُذْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.[مسلم: كِتَاب الْوَصِيَّةِ ؛ بَاب]
قالوا: هَذَا الْخَبَرَ فى بعض رواياته " لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ"
قَالُوا: فَرَدَّ الأَمْرَ إلَى إرَادَتِهِ
قيل: الحديث الذى فيه (لمن أراد) جزء من الحديث الذى يوجب الوصية لمن أراد ولمن لا يريد؛ فرواية مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ ومسلم بِلَفْظِ الإِيجَابِ فَقَطْ؛ وَكِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ. فرِوَايَةِ مَالِكٍ، وإن كانت أقل لفظاً ففيها زيادة معنى يجب العمل بهذه الزيادة .
فَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ: فَفُرِضَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ بِمَا تَيَسَّرَ، وَلاَ بُدَّ، لأَنَّ فَرْضَ الْوَصِيَّةِ وَاجِبٌ، فوَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ [البخاري: كِتَاب الْجَنَائِزِ ؛ بَاب مَوْتِ الْفَجْأَةِ الْبَغْتَةِ]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَمْ يُوصِ فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ قَالَ [ مسلم: كِتَاب الْوَصِيَّةِ؛ بَاب وُصُولِ ثَوَابِ الصَّدَقَاتِ إِلَى الْمَيِّتِ]
فَهَذَا إيجَابٌ لِلْوَصِيَّةِ، وإيجاب لأن يُتَصَدَّقَ عَمَّنْ مات ولَمْ يُوصِ، وَلاَ بُدَّ، لأَنَّ التَّكْفِيرَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي ذَنْبٍ، فَبَيَّنَ عليه الصلاة والسلام: أَنَّ تَرْكَ الْوَصِيَّةِ يَحْتَاجُ فَاعِلُهُ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ ذَلِكَ، بِأَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ.
ففَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُوصِيَ لِقَرَابَتِهِ الَّذِينَ لاَ يَرِثُونَ، فَيُوصِي لَهُمْ بِمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ، لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ أَوْصَى لِثَلاَثَةٍ مِنْ أَقَارِبِهِ أَجْزَأَهُ.
|
hg,wdm ggHrhvf
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|