01-24-2014, 06:32 AM
|
|
|
|
|
وقود النجاح
حلم راود ذلك الفتى الصغير الذي لم يتجاوز عمره أصابع اليدين، وهو يقف على شاطئ البحر، وعينه لا تفارق هدفه، وذهنه لا يسع سوى حلمه، وشيخه يذكي الحلم، ويضيف كل يوم إلى لوحة الهدف خطوطًا وألوانًا، توضح الأمل وتشعل الهمم.
حلم أن يصير أميرًا على جيش يفتح مدينة عصية، حاول من قبله قادة عظماء فتحها، وإدخالها إلى بستان الإسلام النضر، ولكن لم تفلح المحاولات لقرون عدة، لم يفت فشل تلك المحاولات في عضه شيئًا، بل كانت الرغبة أقوى من أن تنكسر على صخرة المحاولات السابقة.
أتدرى من هو ذلك الفتى؟ وماذا كان حلمه؟ إنه محمد الفاتح، قائد الجيش الذي فتح القسطنطينة، حاضرة الحكم البيزنطي، ذلك الحصن المنيع الذي استعصى على الكثيرين من قبله.
ظل ذلك الحلم مسيطرًا على كيانه، كان يعلم أنه حلم صعب المنال؛ ولكن لما حانت الفرصة استطاع هذا القائد الباسل أن يتغلب على القيود التي وضعها البيزنطيون، فقد كانت هذه البلاد ذات حصون معينة، فهي محاطة بالماء من كل مكان، وقد وضع البيزنطيون السلاسل في البحر؛ ليمنعوا أي سفينة من أن تجتاز هذا البحر.
وبدأ محمد الفاتح في التفكير حتى توصل في نهاية الأمر إلى فكرة إبداعية، فخطر بباله أن ينقل المراكب عبر البرِّ، وبالفعل تمَّ هذا الأمر بأن مهَّد طريقًا عبر البر، رصَّ فوقه ألواحًا من الخشب، ثم صبَّ عليها كميات من الزيت والدُّهن حتى يَسهُل سير السفن عليه.
وبهذه الطريقة استطاع محمد الفاتح أن ينقل سبعين سفينة في ليلة واحدة، فلما استيقظ وجد البيزنطيون أنفسهم أمام جيش عظيم، فأيقنوا وقتها أنه لا مناص من انتصار العثمانيين.
وبذلك استطاع الفاتح أن ينتصر على جيش لطالما كان المسلمين يحلمون بأن يتغلبوا عليه من قبل، وحقق هذا القائد المغوار الحلم الذي لم يفارقه أبدًا.
وبجانب عظمة الإنجاز، فلابد من التوقف عند أسبابه، ومن أهمها أن شيخه ومعلمه آق شمس الدين كان يأخذ بيديه كل يوم ويقف به على شاطئ البحر، ويحدثه عن القسطنطينة، وكيف كانت حجر عثرة في طريق انتشار الإسلام، وكيف يمكنه أن يزيل هذا الحجر يومًا؟
إن ما فعله آق شمي الدين ـ عزيزي القارئ ـ هو بمثابة وقود النجاح، ألا وهو زرع الرغبة المشتعلة التي نريد أن نتحدث عنها، فهذا القائد ملكه حلم عظيم، عاش به حياته كلها، كان ينام يفكر فيه، ويستيقظ عليه، ولذا لم تمنعه قوة حصون البيزنطيون من أن يحقق هذا الحلم.
قوة تملأ كيانك:
الرغبة المشتعلة هي تلك القوة التي تملأ كيانك ووجدانك، فتدفعك إلى العمل والبذل والعطاء، وهي الدافع وراء كل نجاح في هذه الحياة، فعندما سأل شاب في العشرينات من عمره الدكتور شولر: (كيف أستطيع أن أكون كاتبًا ناجحًا ومرموقًا مثلك؟)، فردَّ عليه قائلًا: (عندما يكون عندك رغبة مشتعلة لكي تكون ما تريد).
فسأل الشاب: (وما هي الرغبة المشتعلة؟)، فأجابه: (عندما تفكر في الكتابة قبل النوم، وتفكر فيها أول شيء في الصباح، وتتكلم عنها في كل فرصة ممكنة، وعندما تصبح الكتابة الشيء المُسيطر تمامًا على أفكارك، وحينما تسير في دمك، هذه هي الرغبة المشتعلة).
روح الأهداف:
أي هدف تضعه في حياتك، وتبذل فيه كل ما تملك لابد وأن يصحبه روح تحركه، فكل هدف ليس له قيمة ما لم يكن هناك روح تحركه، ورغبة مشتعلة تقوده، يقول الدكتور إبراهيم الفقي: (والأهداف بدون رغبة قوية أهداف خاملة ميتة ليس فيها روح، فلابد أن تكون رغبتك لتحقيق حلمك رغبة جياشة، لا يستطيع أحد إيقافها، بل لا تستطيع أنت نفسك أن توقفها).
ولذا يسأل الدكتور إبراهيم الفقي، فيقول: (ما هو الشيء الذي ترد أن تحققه في حياتك؟ إذا أردت فعلًا أن تحققه دعه يمشي في عروقك، فكر فيه باستمرار، وخطط له ثم ضعه في الفعل، ومهما كانت التحديات فلا تتركه على الإطلاق، واعلم أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا).
ولذا؛ فإن فقدان الحماس والرغبة في النجاح وتحقيق الأهداف يفقد الحياة روحها وطعمها، فكما يقول صامويل أولمان: (لا أحد يكبر بمجرد أن يحيا عددًا من السنين، إننا نكبر بإهمالنا لمثالياتنا، فقد تتسبب السنون في تجعد البشرة، ولكن التخلي عن الحماس يتسبب في ظهور تجاعيد الروح).
تخلص من القيود:
ولعل هناك بعض القيود التي تطفئ تلك الرغبة التي توقدت واشتعلت، لذا فاحرص على أن تتغلب عليها:
القيد الأول: عدم تحقق الأهداف:
فالمرء حينما يكون متحمسًا لهدفٍ معين، أو غاية محددة ثم لا يتمكن من أن يحققه يصيبه اليأس، وترى سعيه لهذا الهدف قد تباطأ، وترى همته قد هبطت، ونسي أن الناجحون لا يشترط عليهم أن ينجحوا في كل جولة يخضونها في هذه الحياة، ولكنهم يعلمون أن الفشل هو أول طريق النجاح.
لذا؛ لا تدع شعورك بأنك لم تحقق أهدافك يتغلب على كيانك ويسيطر على جوارحك؛ فيمنعك من الحركة في تجاه أحلامك وآمالك، بل اجعل من الفشل خطوة في طريق النجاح، ودرجة في سلم الوصول.
القيد الثاني: ضعف العزيمة:
فالمرء قد يضع لنفسه أهدافًا عالية، ويكون متحمسًا لها، ولكنه حينما يبدأ في العمل للتنفيذ يكتشف أن المجهود المطلوب منه كبير للغاية، فلا يصبر وتنحل عزيمته، وصحيح أن طريق النجاح ليس مفروشًا بالورود والرياحين، ويحتاج إلى تعب وبذل لإدراكه، لكن الإنسان حينما يذوق طعم النجاح تهون عليه كل لحظة تعب أمضاها في طريق النجاح، حتى يكون ذلك التعب أشهى إلى نفسه وألذ من طعم الراحة والدعة والسكون.
القيد الثالث: البيئة السلبية:
يتأثر الناس جميعهم بالبيئة التي نشأوا فيها، وبالمحيط الذي تربوا فيها، وهذا ما يؤكده الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، حين يقول: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه) [متفق عليه]، فمن تربى منا على الكسل وعلى الخمول، لن يندفع لفعل شيء ما، بل ينتظر من يحفزه أو يشجعه لفعل شيءٍ ما، فالمرء قد تبرمج منذ صغره أنه "لا يستطيع فعل أي أمرٍ".
يقول دكتور تشاد هليمستتر في كتابه "ماذا تقول عندما تحدث نفسك؟": (أنه في خلال الثمانية عشر سنة الأولى من عمرنا ـ وعلى افتراض أننا نشأنا وسط عائلة إيجابية ـ فإنه قد قيل لك أكثر من 148000 مرة كلمة لا، أو لا تفعل كذا).
فكل ذلك من شأنه أن يطفأ في النفس تلك النيران المشتعلة، ويهبط من حماسة المرء تجاه عمل أي شيء.
والسؤال الذي يعنينا الآن أيها القارئ، هو: كيف نشعل تلك الرغبة في نفوسنا؟
اجعل لك دافع:
لابد وأن تربط كل فعل تقوم به بدافع يزيد من حمساتك، ويدفعك لأن تحقق غاياتك وآمالاك، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدفع الصحابة لعمل فعل ما كان دائمًا ما يقول: (من يفعل كذا وله الجنة؟).
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وليس بها ماء يُستعذب غير بئر رومة فقال صلى الله عليه وسلم: (من يشترى بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها فى الجنة) [رواه الترمذي، وحسنه الألباني]، فأشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ لينال هذا الشرف العظيم.
ولابد لهذا التحفيز وذلك الدافع أن ينبع من داخلك، فكما يقول بول جي ميير: (إذا كنت تريد تحقيق نجاح مستمر وثابت، فإن الدافع نحو ذلك الهدف يجب أن يتأتي من الداخل أيًّا كنت ومهما كان عمرك).
وبهذا الدافع كان محمد الفاتح ينام يفكر في فتح القسطنطينية، ويستقيظ يخطط لذلك أيضًا، وكذلك كان صلاح الدين لا يضحك والقدس أسير، وهكذا ظل توماس أيدسون يكرر تجربة المصباح الكهربي لمئات المرات دون كلل أو ملل، وهكذا تكون أنت ـ عزيزي القارئ ـ على درب هؤلاء جميعًا.
وقود الألم والمتعة:
وإذا أردت أن تشعل من رغبتك تجاه شيء، قم بكتابة الفوائد والمتع التي ستجنيها من جراء تحقيق هذا الهدف وكتابة الخسائر والآلام التي ستنالها جراء عدم تحقيقه، اكتب خمس فوائد وخمس خسائر على الأقل، وإذا شعرت بفتور في همتك راجع هذه الفوائد والخسائر مرة أخرى وستجد حماسك قد تجدد.
والسر في أهمية ذلك ما يقوله د.صلاح الراشد من أن (كل سلوك في الإنسان ينتهي إلى مسألتين مهمتين: الحصول على المتعة أو تحاشي الألم، وقد يكون في الغالب الاثنين معًا، وكلما زاد الخوف من الألم أو الرجاء في المتعة كلما قويت الرغبة).
وخلاصة القول:
إن ما يسري دائمًا في جسدك وتعيش به في حياتك هو الذي سرعان ما ستحققه بتوفيق الله تبارك وتعالى، فكما يقول لويس بريل: (ما يوجد في عقلي ويسيطر على أفكاري، ويعيش في قلبي، ويسري في عروقي ودمي، يجب أن يخرج للحياة) بإذن الله تعالى.
,r,] hgk[hp
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 04:37 PM
|