- تقنين أحكام الأحوال الشخصية وتضييق دائرة الاجتهاد سيحل الكثير من المعضلات.
- "هيئة مكافحة الفساد" تعاني من غياب الهوية وعدم وضوح المركز القانوني لأعضائها.
- بعض سيدات الأعمال أسماؤهن صورية و"المالك الحقيقي" موظف حكومي متحايل يجمع بين الوظيفة والتجارة.
- مواقع التواصل تخون المرأة وتجرحها وبعض الجهات الخدمية تتهرب من تقديم الخدمة لها.. والدليل "التعنيف".
- لا بد من إعادة النظر في أنظمة وأمور كثيرة تلامس احتياج الناس ومشاكلهم.
- برغم جهود "العدل" والمجلس الأعلى للقضاء.. لا تزال المرأة تعاني من تباعد وتأخر جلسات الطلاق والنفقة والحضانة في المحاكم.
- الاعتداء على المَرافق العامة يُعَد اعتداء على جميع المواطنين.. والبعض لا يزال يتساهل في المال العام.
- العدالة البطيئة ظلم.. والأم دائماً ألطف وأشفق على ولدها الصغير من أي مخلوق، والحضانة يجب أن لا تُنزع عنها إلا في أحلك الظروف.
أجرى الحوار/ شقران الرشيدي: يقول المستشار الشرعي والقانوني، والمتخصص في الأنظمة الجنائية والجرائم المعلوماتية، وأستاذ الأنظمة والأخلاقيات الإعلامية، د.محمد المحمود: "محاكمة الوزراء تُعد سابقة في تاريخ المملكة، ومحاكمة وزير الخدمة المدنية خالد العرج إشارةٌ واضحة لكل مسؤول في الدولة مهما كبرت وظيفته أنه لا أحد بمنأى عن السؤال والمحاسبة، وأن الجميع تحت النظام؛ مؤكداً في حواره مع "سبق" أن موضوع إسقاط الولاية عن المرأة من المسائل التي لم يحرر فيها النزاع بشكل واضح، ومواقع التواصل الاجتماعي تعجّ بـ"التراشقات" والتخوين والتجريح دون فهم المشكلة التي تُطالب المرأة بحلها.
وأشار إلى أنه ليس كل القضاة بمستوى واحد من الفهم والإدراك؛ فهناك من يسيء للجهاز العدلي بضعف إدراكه وتقديره للأمور، وهناك تأخر وتباعد بين الجلسات في المحاكم.
كما طالَبَ بأهمية مراجعة وتعديل بعض الأنظمة الخاصة بالمرأة؛ فالزمان والظروف تَغَيّرت. وقال: "إن الاعتداء على المرافق العامة هو اعتداء على الجميع، وبعض رجال الأعمال يتساهل في المال العام بحجج شيطانية، وما علم أن الإثم أشد، وأن التحلل من صاحب الحق الخاص أسهل بكثير من التحلل من المجتمع ككل".
ويتناول الحوار عدداً من القضايا الشرعية والقانونية فإلى التفاصيل..
** أخيراً صدر أمر ملكي بتشكيل لجنة وزارية للتحقيق مع وزير الخدمة المدنية السابق خالد العرج فيما ارتكبه من تجاوزات، واستغلاله للنفوذ والسلطة، والسؤال: كيف تتم محاكمة الوزراء؟
هذا الأمر يُعد سابقة في محاكمة الوزراء في تاريخ المملكة، ومحاكمة وزير الخدمة المدنية خالد العرج هي إشارة واضحة لكل مسؤول في الدولة مهما كبرت وظيفته أنه لا أحد بمنأى عن السؤال والمحاسبة، وأن الجميع تحت النظام، وأن هناك حدوداً للسلطة التقديرية للموظف ما دام ملتزماً بالأُطُر المشروعة، محققاً للمصلحة العامة؛ فمتى تجاوزها فهو عُرضة للمحاسبة؛ فالسلطة التقديرية وسيلة لتطبيق النظام، وامتلاكها لا يعني التصرف خارج حدوده؛ إذ إن غايتها تطبيق ما يستهدفه المنظم من تحقيق العدالة والمصلحة العامة؛ فهي قدرة قانونية تُوازن بين الخيارات الصالحة للوصول إلى أقربها لتحقيق المصلحة العامة، وفي ظني أن الأمر الملكي بإعفاء الوزير وتشكيل لجنة للتحقيق معه، أسبابها عديدة، ونابع عن تجاوزات عدة جسيمة وليس كما يشاع أنه تجاوز واحد.
** تداول في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية مصطلح "إسقاط الولاية"، ما هي أبعاد مثل هذا الطرح قانونياً؟
مسألة إسقاط الولاية، من المسائل التي لم يحرر فيها النزاع بشكل واضح، ومواقع التواصل الاجتماعي تعجّ بـ"التراشقات" دون تحديد موطن الخلاف بين الطرفين؛ فتحديد نقطة الخلاف مطلب أساسي لا غنى عنه؛ لتوضيح المراد، ومنع الخلط، واللبس بين معنى وآخر؛ فجذور الخلاف عائدة إلى اختلاف المفاهيم؛ لذلك يجب فهم المشكلة التي تُطالب المرأة بحلها قبل التخوين والتجريح؛ فمثلاً طلب موافقة ولي الأمر دون مستند نظامي أمر غير مقبول؛ خصوصاً أن بعض الجهات الخدمية أصبحت تتهرب من تقديم الخدمة للمرأة بحجة عدم وجود ولي الأمر؛ بل وصل الحال ببعض جهات الضبط الجنائي إلى أنه عند تقديم المرأة دعوى تعنيف ضد وليها، يُطلَب منها إحضار محرم من أجل استقبال البلاغ! أيضاً عند الاطلاع على نظام وثائق السفر، ولائحته التنفيذية نجد عمومية في بعض المواد؛ فمثلاً المادة 28 من اللائحة تنص على: "سفر المواطنات السعوديات للخارج يتم وفقاً للتعليمات المرعية"؛ فما هي التعليمات المرعية؟ أيضاً نص المادة 8 من نظام وثائق السفر بحاجة لتأمل؛ خصوصاً أنه قد ظهر على السطح العديد من الحالات التي تحتاج لاستثناء؛ فمثلاً المرأة الرشيدة التي تجاوزت الـ30 هل ما زالت لا تستحق منح الجواز أو تجديده إلا بموجب صك شرعي يُثبت حق الولاية أو الوصاية أو القوامة الشرعية عليها من قِبَل الولي أو الوصي أو القيم؟ ماذا لو كان لديها قضية قائمة في المحكمة ضد إخوانها بشأن إلزامهم بقسمة التركة مثلاً؟! أمور كثيرة تحتاج لتأمل ودراسة وإعادة نظر من قِبَل الجهات التنفيذية التي تلامس احتياج الناس ومشاكلهم؛ فينبغي أن ترفع بمقترح تعديل بعض مواد النظام خصوصاً أن الزمان قد تغير والظروف ليست كالسابق.
** قامت أمانة جدة برفع دعوى على أحد رجال الأعمال الذي اعتدى على الممتلكات العامة لفترات طويلة، كيف يمكن تطبيق ذلك في المدن الأخرى للحفاظ على الممتلكات العامة من التعدي؟
الاعتداء على الممتلكات العامة هو اعتداء على الجميع، والبعض يتساهل في المال العام بحجج شيطانية، وما علم أن الإثم أشد، وأن التحلل من صاحب الحق الخاص أسهل بكثير من التحلل من المجتمع ككل؛ فأغلب أفراد المجتمع لن يسامحوا أو يحللوا أي شخص يعتدي على المال العام بغير وجه حق، بالتبديد، أو التفريط، أو الإهمال، أو الاختلاس، أو غيرها من صور الاعتداء، ويجب ألا يترك الناس لمسؤوليتهم الأخلاقية في هذا الأمر؛ بل لا بد من أن تقوم الجهات الحكومية بتفعيل الأنظمة التي تكفل المحافظة على المال العام، وألا يقتصر دور الإدارات القانونية فيها على العمل الروتيني المعروف؛ بل تتقدم بشكوى ضد كل مَن يعتدي على المال العام المكلفة هي بالمحافظة عليه، وأن تبذل كل ما في وسعها لانتزاعه منه ومحاسبته وتغريمه المدة السابقة؛ لا بد للجهات من أن تقوم بذلك سواء أثيرت القضية من الرأي العام أم لا؟ فيجب أن يكون ذلك ضمن اختصاص الإدارات القانونية فيها، وأن يعطى الأولوية في الاهتمام؛ خصوصاً مع ضبابية المركز القانوني لهيئة مكافحة الفساد التي تعاني من غياب الهوية، وعدم وضوح المركز القانوني لأعضائها.. وما قامت به أحد أمانات المدن هو نموذج يجب الاحتفاء به، وتعميمه على باقي الأمانات في المملكة؛ فهو من أهم أعمال الأمانات إن لم يكن أهمها؛ ففيه حفاظ على الممتلكات العامة ودعمها عن طريق تحصيل أجرة المثل بأثر رجعي من هذا المعتدي طيلة السنوات التي انتفع فيها من الأرض والزوائد التنظيمية المعتدى عليها.
** تعاني سيدات الأعمال السعوديات من كثرة القضايا المالية والإدارية، ويشاع أن أرقام الشكاوى كبيرة.. ما مدى دقة ذلك؟
بالنسبة للأرقام المعلنة عن سيدات الأعمال في المملكة؛ فهي في الحقيقة لا تعكس النسبة الحقيقة لمعنى كلمة سيدة أعمال؛ فبعض سيدات الأعمال تكون مجرد اسم صوري يملك هذه المؤسسة أو الشركة، دون أن تتدخل فعلياً بإدارتها أو الإشراف عليها أو حتى ملكية رأس مال فيها، ويكون الزوج أو الأخ أو القريب هو المالك الحقيقي وهو المسؤول الأول أمام الجهات القضائية والخدمية، ويكون ذلك تحايلاً لكونه موظفاً حكومياً لا يستطيع أن يجمع بين الوظيفة والتجارة.. وهذه مشكلة ظاهرة على السطح وأحياناً تخدش واجبات الوظيفة العامة؛ فالموظف العام ينبغي أن يُخلص لعمله ويكون ولاؤه الخاص له، والأسوأ من ذلك حين يجاهر البعض بأن بقاءه في الوظيفة العامة من أجل المكانة الاجتماعية؛ وإلا فهو يدير أعماله الخاصة من مكتبه الحكومي.. أما الأكثر من سيدات الأعمال فهن يمارسن نشاطات تجارية ناجحة؛ خصوصاً في المجالات النسائية التي تفهم فيها المرأة أكثر من الرجل؛ كالتصميم والملابس والمكياج والعطور والفنون وغيرها، والمرأة بطبعها دقيقة جداً، وتهتم بأدق التفاصيل، وهذا سبب تميزها في أعمالها؛ لكن هذه الدقة تجعلها أحياناً تلجأ للقضاء عند عدم مقابلة دقتها بإتقان من الطرف الآخر؛ خصوصاً مع ارتفاع الوعي الحقوقي لدى النساء بافتتاح العديد من كليات الحقوق والأنظمة، والسماح بترخيص المحاميات من وزارة العدل.
** تعج المحاكم بقضايا المرأة من طلاق، ونفقة، وحضانة، وعضل، وهجر.. إلخ"، ويشتكي الكثير من تأخير البَت في هذه القضايا.. كيف يمكن تسريعها؟
المرأة في المملكة لا تزال تعاني من المحاكم؛ خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية من طلاق ونفقة وحضانة وعَضل وهجر؛ وبالرغم من جهود وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء في افتتاح محاكم أحوال شخصية مستقلة؛ فإن المعاناة لا تزال قائمة في تباعد مواعيد الجلسات؛ فقضايا الأحوال الشخصية ذات طبيعة خاصة ينبغي ألا تمكث القضية في المحكمة أكثر من شهرين على أبعد تقدير، ووزارة العدل مدركة لهذا الأمر؛ لكن ربما ينقصها الكوادر البشرية التي تفهم حساسية هذا النوع من القضايا؛ أما قضايا الحضانة على سبيل الخصوص؛ فهي أكثر ما يؤرق المرأة السعودية لعدم وجود نص قانوني مقنن يحدد مَن الأحق بالحضانة في الأحوال الطبيعية؛ فالأم بإجماع الفقهاء هي الأحق بالحضانة في حال افتراق الزوجين، ثم أم الأم؛ ولكن انتهاء حضانة النساء على الصغار حالَ افتراق الزوجين مختلَف فيه بين المذاهب؛ أما الاستثناء -وهو كون أحد الوالدين غير صالح للحضانة- فيحتاج لنظر قضائي؛ لكن كما أسلفت سابقاً ينبغي ألا يطول أمد التقاضي؛ إذ يجب أن يعيَ المسؤول أن قضايا الأحوال الشخصية ليست كغيرها؛ فينبغي الاستعجال فيها، وحث القضاة على حسم الأمر بعد جاهزية تقارير الخبراء؛ فالعدالة البطيئة ظلم، كما ينبغي مراجعة المعايير التي بموجبها يتم تحديد من الأصلح للحضانة من الأبوين؛ فالزمن قد تغير، وقوادح العدالة في زمن مضى ليست كقوادحها اليوم. فالأصل في الحضانة أنها تثبت لحظّ الولد؛ فلا تُشرع على وجه يكون فيه ضياعه وتأثره النفسي، وفي بعد الطفل عن أمه مضارّ كثيرة؛ فالأم دائماً ألطف وأشفق على ولدها الصغير من أي مخلوق؛ فالأصل أن الحضانة لها ولا تُنزع عنها إلا في أحلك الظروف.. وتَعَاقب أكثر من قاضي على قضية واضحة يطيل أمد التقاضي فيها؛ خصوصا عندما تكون تَوَجُّهات القضاة مختلفة، وأعتقد أن تقنين أحكام الأحوال الشخصية، وتضييق دائرة الاجتهاد فيها سيحل هذه المعضلة؛ خصوصا أن أغلب القضاة اليوم لم يصلوا لمرحلة الاجتهاد.