04-27-2017, 04:46 PM
|
|
|
|
تفسير قوله تعالى ( إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك )
(إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )
قال الزمخشري : ( فإنهم عبادك ) والذين عذبتهم جاحدين لآياتك
[ ص: 62 ] مكذبين لأنبيائك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز القوي
على الثواب والعقاب ، الحكيم الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة
وصواب .
فإن قلت : المغفرة لا تكون للكفار ، فكيف قال : ( وإن تغفر لهم ) ؟
قلت : ما قال : إنك تغفر لهم ، ولكنه بنى الكلام على أن يقال : إن
عذبتهم عدلت; لأنهم أحقاء بالعذاب ، وإن غفرت لهم مع كفرهم ،
لم تعدم في المغفرة وجه حكمة; لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول ،
بل متى كان المجرم أعظم جرما ، كان العفو عنه أحسن .
وهذا من الزمخشري ميل إلى مذاهب أهل السنة ، فإن غفران الكفر جائز
عندهم ، وعند جمهور البصريين من المعتزلة عقلا ، قالوا : لأن العقاب
حق لله على الذنب ، وفي إسقاط منفعة ، وليس في إسقاطه على الله
مضرة ، فوجب أن يكون حسنا ، ودل الدليل السمعي في شرعنا على أنه
لا يقع ، فلعل هذا الدليل السمعي ، ما كان موجودا في شرع عيسى ، عليه السلام انتهى كلام جمهور البصريين من المعتزلة .
وقال أهل السنة : مقصود عيسى تفويض الأمور كلها إلى الله تعالى ، وترك الاعتراض بالكلية ، ولذلك ختم الكلام بقوله : ( فإنك أنت العزيز الحكيم )
أي قادر على ما تريد في كل ما تفعل ، لا اعتراض عليك .
وقيل : لما قال لعيسى : ( أأنت قلت للناس ) الآية ، علم أن قوما من
النصارى حكوا هذا الكلام عنه ، والحاكي هذا الكفر ، لا يكون كافرا ،
بل مذنبا حيث كذب ، وغفران الذنب جائز ، فلهذا قال :
( وإن تغفر لهم ) . وقيل : كان عند عيسى أنهم أحدثوا المعاصي ،
وعملوا بعده بما لم يأمرهم به ، إلا أنهم على عمود دينه ، فقال :
( وإن تغفر لهم ) ما أحدثوا بعدي من المعاصي ، وهذا يتوجه على
قول من قال : إن قول الله له ( أأنت قلت للناس ) كان وقت الرفع;
لأنه قال ذلك ، وهم أحياء لا يدري ما يموتون عليه . وقيل : الضمير في
( تعذبهم ) عائد على من مات كافرا ، وفي ( وإن تغفر لهم ) عائد على
من تاب منهم قبل الموت . وقيل : قال ذلك على وجه الاستعطاف لهم ،
والرأفة بهم مع علمه بأن الكفار لا يغفر لهم ، ولهذا لم يقل : لأنهم عصوك ؟ انتهى .
وهذا فيه بعد; لأن الاستعطاف ، لا يحسن إلا لمن يرجى له العفو
والتخفيف ، والكفار لا يرجى لهم ذلك . والذي أختاره من هذه الأقوال;
أن قوله تعالى ( وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس ) قول قد
صدر ، ومعنى يعطفه على ما صدر ومضى ، ومجيئه بـ ( إذ ) التي هي ظرف
لما مضى ، ويقال التي هي حقيقة في الماضي ، فجميع ما جاء في هذه الآيات
من ( إذ ) قال : هو محمول على أصل وضعه ، وإذا كان كذلك ،
فقول عيسى : ( وإن تغفر لهم ) ، فعبر بالسبب عن المسبب لأنه
معلوم أن الغفران مرتب على التوبة ، وإذا كان هذا القول في غير وقت
الآخرة ، كانوا في معرض أن يرد فيهم التعذيب أو المغفرة الناشئة عن
التوبة . وظاهر قوله : ( فإنك أنت العزيز الحكيم ) أنه جواب الشرط ،
والمعنى فإنك أنت العزيز الذي لا يمتنع عليك ما تريده ، الحكيم فيما
تفعله ، تضل من تشاء ، وتهدي من تشاء . وقرأت جماعة فإنك أنت
الغفور الرحيم ، على ما يقتضيه قوله : ( وإن تغفر لهم ) .
قال عياض بن موسى : ليست من المصحف . وقال أبو بكر بن الأنباري :
وقد طعن على القرآن من قال : إن قوله : ( فإنك أنت العزيز الحكيم ) لا يناسب قوله : وإن تغفر لهم; لأن المناسب; فإنك أنت الغفور الرحيم .
والجواب : أنه لا يحتمل إلا ما أنزله الله تعالى ، ومتى نقل إلى ما قال هذا
الطاعن ضعف معناه ، فإنه ينفرد الغفور الرحيم بالشرط الثاني ، ولا يكون
له بالشرط الأول تعلق ، وهو ما أنزله الله تعالى ، وأجمع على قراءته المسلمون ، معذوق بالشرطين كليهما ، أولهما وآخرهما ، إذ تلخيصه; إن تعذبهم فأنت
عزيز حكيم ، وإن تغفر لهم فأنت العزيز الحكيم ، في الأمرين كلاهما من
التعذيب ، والغفران ، فكان العزيز الحكيم أليق بهذا المكان; لعمومه ،
وأنه يجمع الشرطين ، ولم يصلح الغفور الرحيم أن يحتمل ما احتمله العزيز
الحكيم انتهى . وأما قول من ذهب [ ص: 63 ] إلى أن في الكلام تقديما
وتأخيرا ، تقديره : إن تعذبهم فإنك أنت العزيز ، وإن تغفر لهم فإنهم عبادك ، فليس بشيء ، وهو قول من اجترأ على كتاب الله بغير علم . روى النسائي عن أبي ذر قال : قام النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح بهذه الآية ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) .
|
|
|
|
jtsdv r,gi juhgn ( YAkX jEuQ`~AfiElX tQYAk~QiElX uAfQh]; ) juhgn jtsdv uAfQh]; tQYAk~QiElX YAkX
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
3 أعضاء قالوا شكراً لـ ملاك الورد على المشاركة المفيدة:
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 05:36 AM
|