كان الأمير طلال بن عبد الله بن علي الرشيد إبان إمارة جبل شمر يدعو الأمراء وشيوخ القبائل بضيافته وكان ابرزهم الشيخ علوش بن ظويهر شيخ قبيلة الغضاورة حيث حل ضيفا عنده ليومين أو ثلاثة ، وقد كان الشيخ علوش ممن يتذوق طعم القهوة ويميزها تماما وبشكل لا يماثله إلا القليل وربما لا يماثله أحد في هذه الخاصية في حينه .
فعندما أديرت فناجيل القهوة ، تذوق علوش فنجاله لكنه لم يستسغ طعم القهوة وقيل إنه كب فنجاله خلف المسند خلسة ودون أن ينتبه له أحد ، لأن ذلك ما لا يقبل .
ولما سأله حاول أن يجيب جوابا دبلوماسيا يعفيه من ذكر السبب ، فقال : مالي بالقهوة اليوم ، وربما يحصل مثل هذا الموقف من الكثيرين في مواقف متعددة ونحن لا ندري ، لكن ابن رشيد أصر على معرفة السبب ، ربما ظنا منه بأن القهوة قد أضيف لها شيء ما ، أو أن في نفس علوش ما فيها .
فلما أصر على معرفة السبب ، قال علوش : القهوة صايدة
ولأن الكلمة ليست بذاك الانتشار سأل عن معناها ابن رشيد ، فقال ابن ظويهر : صايدة يعني وقع فيها شيء غريب.
فسأل ابن رشيد وما هو الشيء الغريب الذي وقع في القهوة ؟
فأجابه بأنه قعسي وقيل غير هذا ، والمهم أنه أصر على هذا الأمر ، فأمر ابن رشيد بأن تصفى دلة القهوة (الخمرة) وهي الدلة الكبيرة الأساسية التي يمكن أن يكون فيها شيء غريب .
فوضع الليف للتصفية وبالفعل تبين ابن رشيد نفسه بأن في القهوة قعسيا .
فقدم ابن رشيد ضيفه علوش وأكرمه وطلب منه البقاء لديه عدة أيام ، ولعل مقصده من تطويل المدة اختبار ذائقته للقهوة وتعجبه من دقتها وحسه المبهر .
وفي اليوم التالي أمر ابن رشيد بأن يوضع في دلة القهوة التي تقدم لعلوش ورقة من العرفج ، فلما تناولها سأله عن القهوة وأنها اليوم سالمة من أي شيء يكدرها وقد نظفت كل دلال القهوة التي بالأمس .
لكن علوش قال : يابن رشيد القهوة صايدة ثمر أو عود عرفج
وفي اليوم التالي تم اختبار ذائقة علوش للقهوة مرة أخرى ، حيث وضع فيها ما لا يتوقعه ، وهو شيء من عود المسواك .
وأعيد عليه السؤال فقال : نعم صايده أراك . وهو المسواك.
أما الاختبار الصعب فهو عندما طلب ابن رشيد بأن تقدم للشيخ علوش قهوة نيئة خلطت بقهوة محروقة وطحنت مع بعض حتى تتعادل بحيث لا ينتبه لها ، ولكنه قال : القهوة نصفها ني ونصفها محروق.
فعرف ابن رشيد أن لا فائدة ، وأن علوش يتكلم عن علم وحاسة قوية ، وهذه الذائقة لا يتحلى بها ويدركها ويقوى عليها سوى شخص صاحب قهوة ولديه حس وذوق حولها فأمر له عند كل هلال شهر بما يلزمه منها تصله في مكانه تقديرا له .
ولهذا قال الشاعر محمد أبا الروس الذويبي احد مشائخ قبيلة حرب يصف تلك الحالة ويمتدح الشيخ علوش بن ظويهر :