أن سبب تسمية الجوف بهذا الاسم يرجع للمعنى اللغوي، وهو الأرض المنخفضة، وكانت تُعرف باسم "نقرة الجوف"، نسبةً أيضاً لسكانها الأقدمين، وهم بنو عمرو من قبيلة طيئ؛ إذ استولوا على هذه البلاد وعُرفت باسم "جوف آل عمر". وأوضح أنه ورد اسم الجوف في أخبار الحروب بين سليم و*** في القرن الأول الهجري؛ إذ ذكر صاحب "الأغاني" أن عمير بن الحباب أغار على *** بالأكليل، ثم بالجوف، ثم بالسماوة، ولا شك أن الجوف هذه البقايا من منازل قبيلة ***، كما ذكر المتنبي في قوله: (إلى عقدة الجوف حتى شفت... بناء الجراري بعض الصدى) وقال التميمي: "وصف حافظ وهبة مدينة الجوف - وهو يقصد (دومة الجندل) القاعدة القديمة للبلاد - بأنها المدينة الرئيسية وسط منطقة زراعية كبيرة واقعة في منخفض يقدر بنحو ٥٠٠ قدم تحت سطح الصحراء المحيطة بها". وقال وهبة أيضاً: توجد واحات تابعة لواحة الجوف واقعة في الشمال الشرقي من هذه الواحات، وهي: سكاكا وقارا وطوير، وموقع الجوف الجغرافي مهم جداً؛ لأنه يقع على الطريق المباشر بين سوريا ووسط بلاد العرب".
* آثار مدينة الجوف من أبرز الآثار التي كانت موجودة في وادي السرحان "الكتابة الصفوية"، أما عن الآثار في الجوف "دومة الجندل" فيروي الدكتور محمود الغول، الذي انتدب من قبل جامعة الرياض (١٣٨٧ هجرياً)، أنه وجد لدى أمير الجوف عبدالرحمن بن أحمد السديري "حجراً " نقل أصلاً من الجوف "دومة الجندل" مكتوباً على سطحه باللاتينية، وقدمه الأمير هدية إلى جامعة الرياض سابقاً، وهو موجود في قسم الآثار بالجامعة تحت رقم " ٣٩". ويقول الغول: "لقد قمت بترجمة الكتابة المنقوشة على الحجر؛ فظهر لي أن الذي قام بكتابة النقش رجل يدعى (فلاقش ديونسيموس)، وينعت نفسه قائد مائة في الكتيبة الثالثة القرنائية". ويقول: "في النقش نذر لجوبيتر العظيم آمون، وللقدوس صلم، طلباً لعافية سيديه الأوغسطيين، وهما الأمبراطوران (سبتيموس ساويرس) و(كاركلا)، وكانا مشتركين في قلم الدولة الرومانية بين عامي ١٩٧ و٢١١ بعد الميلاد". أما الكتيبة التي ينتمي إليها قائد المائة فكان مركزها بصرى، قاعدة ولاية بلاد العرب الرومانية، و"قورنا" هي برقة في ليبيا اليوم، وسبيتموس ساويرس أصله من ليبيا. وللعودة إلى نقوش مدينة دومة الجندل فقد وُجدت في مكان لم يزعم أحد حتى الآن أن حكم الرومان المباشر قد بلغه، وإن كان للرومان عليه نفوذ ضمن ما كانوا يسمونه الحدود الخارجية أو الحدود القصوى. وقد يُشار إلى أن الرومان في تلك الفترة من الحروب مع الفرس في العراق قد أنزلوا جنداً في دومة الجندل، إما خوفاً من أن يستعمل الفرس الطريق للنفوذ إلى جنوب فلسطين ومصر، وإما لأن حملات الرومان اقتضت حركة جند كثيرة؛ لتكون سداً منيعاً من أجل الحماية نظراً إلى أهمية توسط موقع دومة الجندل بالنسبة إلى المواصلات بين العراق والشام ومصر، وقد أثبت لنا التاريخ صحة هذا القول. ولقد اهتم المسلمون بتوطيد ملكهم في هذه المدينة، وذلك قبل مسيرهم إلى العراق والشام؛ فسافر الصحابي خالد بن الوليد -رضي الله عنه- من الحيرة إلى اليرموك عن طريق الجوف "دومة الجندل"، والإلهان المذكوران فيهما جوبيتر آمون وأوزيوس آمون - وهو الإله اليوناني الروماني ملصقاً به اسم آمون المصري - مما يدل على تأثير مصري هنا. وقد يوحي بأن بعض الكتيبة كانوا من جند مصر، وهذا يزيد احتمالاً بأن القائد المذكور يوناني الاسم "ديونيسيوس"، وقد كان من اليونان جالية عظيمة في مصر، وأن القدوس "صلم" فهو صلم المعروف من مصادر أخرى بأنه إله أهل تيماء، ويبدو أنه كان معبوداً في دومة الجندل، فأشركه صاحب النقش في الذكر مجاملة لأهل البلد. وأشار التميمي إلى أن مؤرخ العرب ذكر أن "صنم ود" الوارد في القرآن الكريم كان عوف بن كنانة من بني *** قد نصبه في دومة الجندل، فكان معبوداً لقبيلة قضاعة. وقال التميمي إن الدكتور صالح العلي قال عن هذا الصنم في كتابه "محاضرات في تاريخ العرب": "كان سدنة هذا الصنم بني الفارفصة بن الأحوص من قبيلة ***، وكان أكبر الآلهة قبل ظهور الإسلام، أما بعد ظهور الإسلام فكان موضعه أيضاً دومة الجندل، وكان تمثالاً لرجل كأعظم ما يكون وهو على هيئة رجل محارب". وقد بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحابي خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لهدمه، فقاومه بنو عبد ود، وبنو عامر، فانتصر عليهم وهدمه. وأضاف: من الآثار التي شاهدها الدكتور الغول "صخرة" تدعى "حصاة الكتبة" موجودة في ضواحي دومة الجندل، مبيَّن أن فيها آثاراً عربية قديمة. وقال الدكتور محمود الغول إنه قد ظهر له أن الكتابة التي وجدها على أحجار حصن مارد أكثرها بالعربية، وفيها ما هو صفوي، ومن المؤكد أن أصل الخط العربي المستعمل وصل إلى قريش بواسطة أهل دومة الجندل، فقد نقل التاريخ أن "بشراً" أخ الأكيدر ملك دومة الجندل في صدر الإسلام كانت له صحبة وصلة بحرب بني أمية بن عبد شمس القرشي، أحد رؤساء أهل مكة؛ ما أدى إلى كثرة من يكتب بمكة من قريش، ويضيف رجل من دومة الجندل يمن على قريش بذلك: "فلا تجحدوا نعماء بشر عليكم فقد كان ميمون النقبة... فأجريتم الأقلام عود بدأة وضاهيتم كتاب كسرى وقيصرا".
*تسمية "دومة الجندل"
قال التميمي إن الباحث الواقدي ذكر أن دومة الجندل سميت بدوم بن إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، وقال الزجاجي دومان بن إسماعيل، وقيل كان لإسماعيل ولد اسمه دوما، ولعله مغير منه، وقال ابن الكلى دوماء ابن إسماعيل. ولما كثر ولد إسماعيل عليه السلام حتى نزل موضع "دومة" وبنى بها حصناً فقيل دوماء ونسب الحصن إليه. وذكر أنها على سبع مراحل من دمشق، وبينها وبين مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - خمسة فراسخ، وقال: ومن قبل مغربه "عين" تثج فتسقي ما بها من النخيل والزروع وحصنها مارد. وسميت "دومة الجندل" لأن حصنها بُني بالجندل، أي من الحجارة، وقال أبو عبيد: "دومة الجندل حصن وقرى بين الشام والمدينة، قرب جبل طيئ، كانت بنو كنانة من *** تقطنها، أما دومة فعليها سور يتحصن به، وفي داخل السور حصن منيع يقال له مارد وهو حصن (أكيدر)".
*"الأنباط" بدومة الجندل: قال التميمي إنه مما لا ريب فيه وجود سكان ذوي حضارات عريضة كالأنباط الذين انتقلوا من الجنوب إلى هذه الجهات، وبقي منهم في دومة الجندل إلى قرب ظهور الإسلام؛ إذ ذكر ابن حبيب في كتابه "المنمق في أخبار قريش" أن أم سلمة بن هاشم بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي نبطية من دومة الجندل، وفي هذه البلاد آثار الكتابة النبطية وهي أصل الكتابة العربية القديمة.
* طريقة معرفة دخول الوقت بالنهار قديماً: يوجد مكانان لعلامات النهار، وهما جداران ثابتان في مكانين مختلفين، فيستعمل ظل الجدار الأول من طلوع الشمس إلى الظهر، وظل الجدار الآخر من الظهر إلى غياب الشمس، وقد نُصبت بالمكانين علامات مثل علامات الليل، وهذه العلامات هي التي تحدد حصة كل شريك حسب القسمة المحددة التي تستند إلى الملكية، فالعلامات تمتد مسافة تتناسب مع امتداد ظل الجدار، فإذا وصل ظل الجدار إلى العلامة المعروفة مسبقاً ذهب صاحب الماء وعدله أي (وجه الماء) إلى بستانه، وهكذا تستمر الطريقة إلى أن تغيب الشمس، فتنتقل العلامات إلى علامات الليل، وهكذا كانت الطريقة قائمة على هذا الأسلوب إلى أن تفجرت المياه، وأغرقت البساتين، وعرفت الساعات على نطاق واسع بالبلد.
* سوق مدينة "دومة الجندل" ذكر التميمي أن لاختيار سوق دومة الجندل القديم اعتبارات، من أهمها موقعها المتوسط؛ إذ تتحكم بطرق المواصلات الممتدة من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، أضف إلى ذلك مصادر المياه الجوفية العذبة وكذلك السطحية في مواسم الأمطار، ثم المراعي المنتشرة الجيدة حولها.. كل ذلك شجع على قيام سوقها التجاري العظيم الذي يعتبر من أشهر الأسواق التجارية في الجزيرة قبل الإسلام. وأضاف: كان يحضر إلى السوق جميع القبائل العربية، ويُقام السوق في أول يوم من شهر ربيع الأول، ولا يقتصر على البيع والشراء بل يتعداها لمعالجة المشاكل الاجتماعية من الفكاك الأسري، ودفع الديات، والإصلاح بين القبائل، وغير ذلك من الأمور العامة. وأشار إلى أن أبرز القبائل التي تتولى حمايته رؤساء آل الأكيدر، وغيرهم من قبيلة *** وذوي الصلة بها. وبيّن أن حماية الأسواق التجارية قبل الإسلام كانت تعتمد على قوة القبيلة التي يقع السوق في بلادها، وكانت قبيلة *** من أقوى القبائل بشمال الجزيرة، أضف إلى أن لها صلات قوية بالقبائل المجاورة لها كقبيلة طيئ