هو رأس الأدب
لقد أنقذ الله تبارك وتعالى البشرية المتخبطة في ظلمات الجهل والشرك بخاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم فكشف به الظلمة، وهدى به من الضلالة، وعلم به بعد الجهالة، وجعله إمام الهدى إلى قيام الساعة ..
وقد حبا الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأخلاق وصفات عظيمة، وأوجب على كل مسلم حبه وتوقيره، فقال تعالى: { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } الفتح: من الآية9 .
قال السعدي: أي: تعظموه وتُجِّلوه، وتقوموا بحقوقه صلى الله عليه وسلم.
ومن حبه وتعظيمه صلى الله عليه وسلم الأدب معه، فالأدب معه صلى الله عليه وسلم أدب مع الله، إذ الأدب مع الرسول هو أدب مع المُرْسِل سبحانه، كما أن طاعة الرسول طاعة لله تعالى، كما قال الله: { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }
النساء:80
فلا يُتصور محبته صلى الله عليه وسلم مع سوء أدب معه،ومن هنا قال ابن تيمية : " إن قيام المدحة والثناء عليه والتوقير له صلى الله عليه وسلم قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله .." .
ويقول ابن القيم : " وأما الأدب مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالقرآن مملوء به ، فرأس الأدب معه كمال التسليم له والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقولاً، أو يحمله شبهة أو شكا، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان، كما وحد المُرْسِل بالعبادة والخضوع، والذل والإنابة والتوكل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما : توحيد المُرْسِل، وتوحيد متابعة الرسول فلا يُحاكم إلى غيره .." ..
إذا فهو رأس الأدب الأدب مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أكرم الخلق ، وهو سيد البشر ، وأحب خلق الله إلى الله ، له المقام المحمود ، والحوض المورود ، اصطفاه الله من بين ولد آدم كلهم ، واختاره من خير العرب أعراقا وأنسابا وأحسابا.
وللحبيب صلى الله عليه وسلم فضل كبير وتشهد له بذلك الايات في حجة الوداع وشهد بذلك الصحابة رضوان الله عليهم {وأنتم مسؤلون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأدبت ونصحت، فقال عليه الصلاة والسلام بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء ويَنكتها إلى الناس اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات} رواه مسلم.
لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتأدب من رسولنا الكريم وأوجب علينا أن نتحلى بها في حديثنا وفي تصرفاتنا وفي كل الامور والآيات القرآنية تدل على هذا دلالة واضحة
قال الله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الحشر:7.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} الحجرات:2.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الأحزاب:56
صور اشتياق والادب من الصحابة رضوان الله عليهم لـ الحبيب صلى الله عليه وسلم
لقد أورثت هذه المكانة الجليلة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه من الإكبار والإجلال والتقدير ما يبلغ الغاية والكمال ، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يرجع عن موقف الإمامة في الصلاة ليتقدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، ويقول : ( مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) البخاري ومسلم.
ويرفض أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن يعلو سقيفة تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم .
وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول : ( وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ ، لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ ) رواه مسلم
الى غير ذلك من صُورِ الأدب العظيمة التي ضربها الصحابة رضوان الله عليهم للبشرية كلها في تكريمِ وإجلالِ أفضلِ الرسل وسيد البشر صلوات الله وسلامه عليه .
الأدب مع الحبيب صلى الله عليه وسلم أدابٌ منها :
1- الإيمان به ومحبته وتعظيمة وتوقيره قال الله تعالى { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } الفتح: من الآية9 . وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا} الفتح:13
2- طاعته فيما امر واجتناب نواهيه قال الله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الحشر:7.
3- الصلاة عليه ما أمر الله تعالى بقوله : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } الأحزاب:56
فالصلاة والسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات، وأجَّل الأعمال، ومن مظاهر حبه والأدب معه ..
4- عدم ذكره باسمه فقط، بل لابد من زيادة ذكر النبوة والرسالة لقول الله تعالى: { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } النور: من الآية63
5- عدم رفع الأصوات فوق صوته فإنه سبب لحبوط الأعمال، فما الظن برفع الآراء والأفكار على سنته وما جاء به؟ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } الحجرات:2 .
6- العمل بشريعته، والتأسي بسنته ظاهراً وباطنا، والتمسك بها والحرص عليها، والدعوة إليها، وتحكيم ما جاء به صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها، والسعي في إظهار دينه، ونصر ما جاء به، وطاعته فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ . قال القاضي عياض : " اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقا في حبه وكان مدعياً، فالصادق في حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (آل عمران:31) ".
7- توقير سنَّتِه وما جاء عنه من السنن والأخبار، وأعظمُ دلائل ذلك التحاكم إلى سنته صلى الله عليه وسلم فإن ذلك من أصول الإتباع، ولا إيمان لمن لم يتحاكم إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأعرض عن هديه، قال الله تعالى : (فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما).
قال ابن القيم - رحمه الله -: " فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته؛ فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما شجر بينهم من أمور الدين أو الدنيا، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه".
8- تصديقه فيما أخبر به، قال ابن القيم رحمه الله : "فرأس الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم كمالُ التسليمِ له والانقيادِ لأمره وتلقي خبرِه بالقبول والتصديق". وهذا من أصول الإيمان وركائزه الدينية، والكفرُ اتهامه وتكذيبه فيما أخبر، قال تعالى : (والنجم إذا هوى* ما ضل صاحبكم وما غوى* وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى) النجم الايات 1-2-3-4 .
9- الذب عنه صلى الله عليه وسلم وعن سنته فإن ذلك هو الشرف، ويدخل في الذب عنه صلى الله عليه وسلم الذبُّ عن زوجاته أمهاتِ المؤمنين؛ لأنهن فراشه وعفَّتُه، والوقيعة في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم واتهامهن بالباطل من أعظم الإيذاء له صلى الله عليه وسلم
10-نشر سنته وتعليمِها وتبليغها، فإن هذا بابٌ عظيم من أبواب البِر، ودليلٌ على محبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما فيه من السعي في إعلاء سنته، ونشرِ هديه بين الناس، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن سمع حديثه فبلَّغَه غيرَه .
إن من أعظم الآداب التي يجب أن يتصف بها المسلم نحو نبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم أن يستشعر محبته؛ لأن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصلٌ عظيمٌ من أصول الدين، ولا إيمان لمن لم يكن النبي-صلى الله عليه وسلم- أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين؛ قالصلى الله عليه وسلم: (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين)) رواه البخاري .
إن من أعظم أسباب السعادة للمسلم اهتمامه بهذا الباب العظيم الذي يتحدث عن الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه من أعظم أبواب الخير، والموفق من وفقه الله إلى الأخذ به وتتبع أسبابه ودواعيه.
همسة ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
من يدعي حب النبي صلى الله عليه وسلم والأدب معه إلا أن تنطلق جوارحه بطاعته واتباعه، واتخاذه قدوة وأسوة، فليس الأدب معه صلى الله عليه وسلم مجرد كلمات مدائح خالية من الاتباع والعمل، بل الأدب معه صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا بمحبة صادقة تستوجب اتباعه فيما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، واتخاذه صلى الله عليه وسلم قدوة في الظاهر والباطن، والعبادات والمعاملات والأخلاق، قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } الأحزاب:
|
|
|
|
i, vHs hgH]f
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|