لم تكن العاصفة الرملية العنيفة (مدار)، التي ما زالت حبيباتها الغبارية تغطي سماء السعودية من بحرها الأحمر إلى الخليج العربي، هي العاصفة اليتيمة التي كتمت أنفاس المدن السعودية خلال الأعوام الستة الماضية، بل كشف البحث التاريخي لـ"سبق" عن شقيقات ثلاث لـ(مدار)، مررن على أجواء السعودية خلال الأعوام الماضية، وما زال السعوديون يتذكرون عنفها واستمرار غبارها أيامًا عدة دون انقطاع.
ولم يكن وليد المصادفة أن هذه العواصف الرملية الثلاث العنيفة، ورابعتها (مدار)، تشكلت وتحركت خلال شهر مارس في كل مرة (باستثناء عاصفة واحدة تشكلت في إبريل)؛ إذ يمثل هذان الشهران موسم رياح الخماسين، وهي رياح جنوبية شرقية فصلية جافة، تأتي من الصحراء الكبرى محملة بآلاف الأطنان من الرمال، وتصل إلى شبه الجزيرة العربية. وسُميت هذه الرياح بالخماسين لأنها تنشط في فترة خمسين يومًا من فصل الربيع، خاصة في شهري مارس إبريل، وفقًا لموقع ويكيبيديا.
عاصفة سمكة الراي
سُميت بذلك نسبة لسمكة الراي اللاسعة، وفقًا للدكتور عبدالله المسند، الخبير المناخي المعروف؛ إذ أخذ شكل العاصفة في يومها الثاني شكل سمكة الراي. وقد تم اقتراح الاسم على لجنة تسمية الحالات المناخية من قِبل أحد المهتمين بالأحوال الجوية الأستاذ أحمد المسند.
وبدأت العاصفة يوم الجمعة 20 ربيع الآخر 1432هـ، الموافق 25 مارس 2011م، وتشكلت قريبًا من شرق رفحاء، وجنوب العراق، وبدأت تزحف إلى الجنوب، وتتوسع؛ لتضرب أجزاء من الوسطى وكل المنطقة الشرقية، إضافة للكويت والبحرين وقطر، ثم الربع الخالي والجنوب الغربي من السعودية، حتى بلغت خليج عدن. واستمرت العاصفة في أجواء السعودية نشطة وكثيفة لمدة ثلاثة أيام، بينما العوالق استمرت أطول من ذلك. يُشار إلى أن العاصفة الغبارية تلك أصبحت دولية؛ إذ أثرت على 12 دولة (مجلس التعاون، العراق، إيران، اليمن، جيبوتي، الصومال وباكستان)، وخمسة مسطحات بحرية (الخليج العربي، البحر الأحمر، خليج عدن، بحر عمان وبحر العرب)، بل تعمقت في بحر العرب جنوبًا لنحو 1400كم؛ ما يجعلها عاصفة غبارية تاريخية ومميزة.
وتميزت عاصفة سمكة الراي بسرعتها (نحو 50كم بالساعة)، وكثافتها المخيفة، وطول مكثها في أجواء المنطقة، ومسارها الجغرافي المنحني (مع عقارب الساعة) والطويل، وارتدادها مرة أخرى للشمال بعد اصطدامها بجبال عسير عبر الرياح الجنوبية، ووصولها مرة أخرى مرتدة إلى منشئها بعد أربعة أيام من تكوُّنها، وجزء منها توغل في عمق بحر العرب لأكثر من 1400كم؛ وبالتالي أصبحت المسافة بين منشئها وأطرافها الجنوبية نحو 3300كم.
عاصفة الشبح
وهي عاصفة رملية كثيفة واسعة، أثرت على بلاد الشام والعراق، ثم دول الخليج عامة، وذلك في منتصف مارس ٢٠١٢م.
وعاشت مناطق عدة في دول الخليج العربي والعراق حينها تحت وطأة سلسلة عواصف ترابية، انطلقت من العراق نحو مناطق عدة في المملكة العربية السعودية؛ إذ غطت الأحساء والرياض وجدة والعديد من المناطق السعودية الشرقية والوسطى.
وكانت العاصفة قد وصلت الخفجي قادمة من العراق وهي شديدة، تحد من الرؤية الأفقية بمساحة صفر في المئة، وبمساحة إجمالية تقدر بـ 3900كم مربع، وطول كتلة الغبار الرئيسية 1100كم، وعرضها 500كم. وضربت العاصفة المناطق الشرقية ودول الخليج (الكويت وقطر والبحرين والإمارات) والمنطقة الوسطى من حائل شمالاً إلى وادي الدواسر، ثم الجنوبية، وبعدها وصلت اليمن لتعود برياح جنوبية غربية، وتجتاح الغربية والبحر الأحمر وسواحل مصر وسيناء.
عاصفة مظلمة
في مطلع إبريل ٢٠١٥م تأثرت مناطق واسعة من الجزيرة العربية والسعودية بعاصفة رملية قوية، أطلق عليها اسم (مظلمة)؛ وذلك لقوتها الشديدة، وتأثيرها على مناطق واسعة، وتسبُّبها في اختفاء قرص الشمس تمامًا في البداية، وتدريجيًّا تحول النهار إلى ما يشبه الليل في العديد من مناطق السعودية؛ إذ ساد الظلام في وسط النهار، بما في ذلك العاصمة الرياض.
ورغم أن الغبار أمر اعتيادي ومتكرر إلا أن العاصفة الرملية الشديدة التي أثرت على السعودية وقطر والبحرين والإمارات، ثم كل من عمان واليمن، يمكن تصنيفها على أنها من بين أشد العواصف الرملية؛ إذ زادت مساحة المناطق المتأثرة بالعاصفة على مليون ونصف المليون كيلومتر مربع.
ومن أكثر ما ميّز هذه العاصفة الرملية هو انعدام مدى الرؤية الأفقية بشكل تام في كل من الرياض والدمام ورفحاء والمنامة والدوحة؛ إذ بلغ مدى الرؤية الأفقية في هذه الدول (صفرًا من الأمتار)، في حين تدنى مدى الرؤية الأفقية بشكل حاد في كل من دبي وأبوظبي إلى أقل من 200 متر. ووصلت سرعة هبات الرياح خلال تأثير العاصفة الرملية إلى 105 كم/ ساعة في رفحاء شمال المملكة العربية السعودية؛ وهو ما أدى إلى إثارة الغبار بشكل هائل وكبير.